رقصة الكدرة ...توظيف الانثى لتضاريس جسدها للتعبير

رقصة الكدرة ...توظيف الانثى لتضاريس جسدها للتعبير
سعيد فغراوي 12 يونيو 2025

  تتحرّك الراقصة حافية القدمين بأصابع متشابكة ورأس مائل منمّق بضفائر وجدائل مزيّنة بالحلي التقليدية. كاشفة عن تضاريس جسدها بتأنٍّ وبخطوات محسوبة. وكلّما كان الإيقاع مرتفعاً، وجدت الراقصة مساحات سانحة للتعبير تقوم بذلك وهي مغمضة عينيها، لا تفتحهما إلا وفق القدر اللازم الذي يمكّنها من رؤية ما يدور حولها، أو تدور هي حوله،  فضلاً عن أنّها تحرّك أصابعها بطريقة منسجمة مع حركات الذراعين والتلويح  بالضفائر،  تتّجه نحو أفراد المجموعة الذين يزدادون تصفيقاً وحماسةً وحركةً  في حدود 'الكارة' ، وهي حلقة   يؤثثها رجال يتقنون نظم  الشعر ولحنه مرتدين لباس فضفاض واسع يطلق عليه أهل المنطقة  'الضراعة'  غالبا ما يكون بالأبيض أو الأزرق الفاتح انسجاما مع طبيعة مناخ الصحراء الجاف والحار، وقد شدوا رؤوسهم بعصابة يلفونها بطريقة خاصة .

    وضع الحسّانيون، وهم من قبائل جنوب المغرب، أسس رقصة "الكدرة"، أحد أهم الفنون الشعبية الحسانية، وهي تعتمد على توظيف الجسد ويُستخدم إيقاع مضبوط، يتململ على عزف نوتاته جسد الراقصة التي تكون غالباً عازبة أو مطلّقة (نادرا ما تكون متزوّجة، إذ يُفرض عليها تغطية جسدها). يُعهد بإعداد الراقصة وتزيينها إلى امرأة ثانية تُسمّى "الوصيفة"، وهي الخادم أو (المعلّمة)، الكدرة"، تلك الرقصة المغربية الصحراوية، شبيهة برقصة الثعبان لدى قبائل "كالبيلياس" الهندية. خلالها تتنافس المرأة مع الأفعى في أدقّ حركاتها وخفّتها، وهي ترتدي لباساً أسود يحيل الذهن إلى ثعبان "الكوبرا". وتروح تمشي الراقصة بخفّة وسط جموع المعجبين، كما لو أنّها حيّة تسعى.. تُرهبهم وتُمتعهم في الوقت نفسه

   في رقصة "الكدرة" يكون الجسد موضوع فرجة. وهو بهذا يختزل لغته الخاصّة التي تكشف عن مفاتنه وتضاريسه الباعثة على الإغراء. ويسهم اللعب بالأصابع واليدين والعيون ونصف الجسد الأعلى في تحديد مهمة الراقصة، وهي في العمق رمز لأنوثة والخصوبة، بل وأداة من أدوات الإغواء، ودعوة غير مباشرة إلى الزواج. تقود الراقصة، التي يُطلق عليها في اللهجة الحسانية اسم "الكادرة"، تقود رقصتها حتّى الإعياء التام.

    ويتميّز أداء هذا الشكل التعبيري الشعبي بأن يلتف الرجال المتمرسين، إبداعاً وأداءً، في شكل دائري متماسك الأطراف، يصفّقون تبعاً للموسيقى التي يحدثها القدر (آلة العزف)، يستهل النصف الأوّل من دائرة الغناء بترديد الثلثين الأوّلين من البيت الشعري، ويتمم النصف الثاني من الدائرة الثلث الأخير من البيت... وهكذا بشكل متبادل


    وتختتم رقصة "الكدرة" بالقفل، وهي نهاية تتّسم بالسرعة والشدّة، تتكوّن من ضمائر "هيا هيا" التي تعني: "هلمّوا.. هلمّوا"، بمعنى: اخطبوا هذه الراقصة، سواء كانت فتاة عذراء أو امرأة مطلقة، وهذا هو الغرض الأساسي من هذا الشكل التعبيري ,



تعليقات الزوّار

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي سكوبريس

اترك تعليقا

إقرأ أيضا