موسم طانطان لتثمين التراث وصون الذاكرة و شاهد حي على عالمية ثقافة الرحل

على مساحة شاسعة، صممت ساحة السلم والتسامح بضواحي مدينة طانطان، بطريقة تبهر الناظرين وتغري بزيارة مئات الخيام التي اوت مختلف قبائل الصحراء المغربية، رصت على جنبات فضاء "المحرك" المخصص لسباق الهجن و" التبوريدة" امام الخيمة الكبيرة تظلل كبار ضيوف " الموكار " ولوحة رسمت على مرتفع في الواجهة المقابلة لها مجسدة اسم وشعار منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم المعروفة اختصارا باليونسكو، تقام فعاليات النسخة الثامنة عشرة من موسم طانطان المنظمة من طرف مؤسسة الموكار ، في الفترة الممتدة من 14 الى 18 ماي الجاري تحت شعار: "موسم طانطان.. شاهد حي على عالمية ثقافة الرحل".
في جناح خصص للخيام الموضوعاتية تعرض أوجه ما تزخر به الصحراء المغربية من تقاليد وعادات ضاربة جدورها في الازل من قبيل:
الخيمة
يرافق المسكن الرحال صاحبه طوال تنقلاته المستمرة، وتنصب خيمة الصحراء السوداء وتفكك حسب محطات التوقف التي ترقم مسارات الترحال، هكذا تكون على حد تعبير أوديت بويغودو:" المنزل المضاد".
خيمة البيظان السوداء بالصحراء المغربية مختلفة عن نظيرتها بالأطلس المتوسط ذات الدعامة المسندة للسقف، كما تتميز أيضا عن الخيام السوداء الأخرى لرحل العالم العربي، فهيكلها الهرمي ينفرد بالمثلث الذي تكونه اراكيز " ركائز ") أعمدة الوسط (التي تشد الظلة مما يعطيها الشكل المميز لخيام البيظان.
من الممكن ان يميل لون الخيمة أحيانا الى الأسمر الفاتح الاصهب عندما يغلب وبر الإبل على حساب شعر الماعز في نسج الفلجة " شرائط النسيج المكونة لظلة الخيمة .
تمثل الخيمة في متخيل البيظان، بالطبع، البيت، ورابطة العيش، وتشكل الوحدة الأساسية للبنية الاجتماعية، هكذا غدت الخيمة تعبيرا مجازيا عن الأسرة.
لا تنصب الخيمة بطريقة اعتباطيةـ بل تخضع لقواعد اجتماعية تتناقلها الأجيال، ولكن ما ينبغي الحرض عليه قبل كل شيء، هو توجيهها نحو " الكبلة"، الاتجاه الذي يتنوع حسب المناطق ما بين الجنوب الغربي والجنوب الشرقي.
" لفريك" هو الخيمة بصيغة الجمع و ما يحدد وظيفة الخيمة واسمها هو الاستخدام :
أ ـ خيمة العار: المخصصة للضيافة واستقبال المدعوين.
ب ـ خيمة الرك: المصممة خصيصا لليلة زفاف العريسين.
ج ـ خيمة الطالب: تؤوي الحصص الطويلة لتلقين تعاليم الدين الإسلامي.
د ـ خيمة المعلم: مخصصة لممارسة الحرف.
النسيج:
بعد عملية جز القطعان السنوية من طرف الرعاة، ينظف الشعر والبر من قيل النساء اللواتي يخلصنها من الاشواك والعيدان " التشعشيع " تحول عملية الغزل بعد ذلك الشعر والوبر الى خيوط متينة ملفوفة بشكل كروي " اتكباب"، عندئذ يأتي دور المنساج " النول" الذي يجسد المهارة العريقة لنساء المغرب الصحراوي، اللواتي يتجمعن بانتظام في مجال احتفالية لصنع "الفلجة" ـ الفليج هو وحدة النسيج التي تدخل في تكوين ظلة الخيمة.
حياة الترحال
ظل الجمل إلى جانب الإنسان عندما كان هذا الأخير يشيد حضارة الصحراء.
طور البيضان قدرة عظيمة على قراءة المجالات، على السكن فيها، على عبورها وعلى الترحال في ارجائها دون استثناء، وتتلاقى القبائل في شبكات تحالف وقرابة معقدة.
محاور الانتجاع تحددها الضرورات الاجتماعية أكثر من نوعية المراعي، بعيش أولاد الوق في بحث دائم عن امطار الخير.
لقد نشأت تقاليد الرعي البيظاني العريقة عبر القرون على ضوء انتقال المعارف والتجارب، ثمرة علاقة الانصهار بين الانسان والجمل.
بعرف الرحل مواقع انتجاعهم بذقة متناهية ويتوارثون أبا عن جد معارفهم الخاصة حول كل الأعشاب التي تملأ هذه المراعي، إذ يميزون بين النافع منها من ضاره.
ليس من الغريب إذن أن يتجاهل أهل الصحراء الأعشاب المائية ويجمعونها كملها تحت وصف " أحشيش الماء".
تأويل الأثر
يتوارث الرحل خبراتهم شفويا ولهذا السبب لم يعد للإبل أي اسرار لا يعلمونها.
تعد اثار سير الجمل على الرمال علامات بالنسبة للراعي الخبير، الذي بإمكانه الاستدلال استنادا الى عمق الأثر، على ما إذا كان الامر يتعلق بأنثى أم بذكر، كما يمكنه أن يعرف، من خلال أثر ظلف الخف المكان الذي أتى منه الحيوان: أثر طويل للتربة الرملية وأثر الظلف المتآكل للتربة كثيرة الحصى. وبإمكانه أيضا أن يحدد بناء على شكل الأثر، نوع الجمل وحتى لون وبره، حيث ان الجمل الأبيض أو المرقع يحمل وبرا إضافيا يترك علامات بينة ترافق الأثر على الرمل.
الوسم ـ توقيع القبيلة
يبقى الجمل، ذي القدرة الاستثنائية على التكيف مع الوسط الصحراوي القاحل، مع ذلك حيوانا سخيا.
يدين الرحل للجمل بسكناهم " الوبر" وغذاءهم " اللحم والحليب" أما النساء فيدن له بجمالهن الممتلئ، كما يدين له الصناع بتحفهم الجلدية المتألقة.
إنه المطية التي مكنت الإنسان الصحراوي من القيام برحلاته في الصحاري، ولولاه لما وجدت ملحمة تجارة القوافل العابرة للصحراء أبدا. لقد كان المغرب الصحراوي ومدنه النامية القلب النابض لرخاء البحر الأبيض المتوسط وافريقيا جنوب الصحراء.
يشهد تاريخ المغرب مثلا على الدور الحاسم الذي لعبه الجمل في تأسيس الإمبراطورية المرابطية التي شيدها الملثمون، كبار الرحل الصحراويون. وقد عبر ابن خلدون عن ذلك في بحثه عن قوانين التاريخ ومنح للرحل ذلك الدور الكبير في تشييد الدولة عندما يغادرون مجالاتهم الطبيعية.
العيس
تحمل الإبل، في تقاليد الترحال بعالم البيضان وسما على الرقبة او على مؤخرة الفخذ. هذا الوسم " نار" هو علامة مميزة تحيل على المجموعة القبلية وعلى هويتها، يعرف الجميع، بفضل التعلم القائم على الممارسة اليومية للرعي، هذا التعدد في العلامات، ويحددون بنظرة واحدة القبيلة المالكة للجمل.
تختلط القطعان، لكن الإبل لا تضيع أبدا، إنها موسومة بالنار منذ سن مبكرة، وتبقى كذلك مدى الحياة.
الراحلة
راحلة البيظان، القطعة المحورية في عدة ركوب الإبل رمز حقيقي للرعي لدى البيظان: انها تجسد، حسب تيودور مونو الحدود اللا مرأية بين عالم الناطقين بالحسانية والرعي الإبلي للناطقين بالأمازيغية الذين اعتمدوا الطارقية ـ راحلة الطوارق ـ
راحلة الطوارق، ذات الصنع المعقد، تشهد، من خلال المواد، الأشكال والتقنيات المستخدمة على المعرفة العريقة لصناع البيظان، توزيع المهام التي تدخل في نطاق صناعتها غاية في الدقةـ يستأثر الرجال ببعضها، في حين ان البعض الآخر مخصص للنساء.
الراحلة التي تتحمل أعباء الزمن بامتياز هي مبعث فخر الهجان الذي ورثها غاليا عن أسلافه.
حليب الناقة
حليب الناقة عنصر أساسي في تغذية الرحل.
لجرى عملية الحلب بالمراح" ساحة مخصصة للنوق بالفريك أو بالمرعى"
الوحيد الذي يحق له حلب الناقة الواقفة في تقاليد الرحل هو الرجل الراعي، إنه يجمع الحليب الساخن في " ادرس" - وعاء خشبي-
ينبغي تقديم الحليب برغوته في "الكدحة"، والذي يمكن أيضا أن يصبح بينا بمجرد تختره أو يكون منعشا أكثر حينما يخلط بالماء " اشنين – ازريك"
الحليب رمز الرخاء والرفاهية، ويرتبط في متخيل البيظان بعناصر الخير والبركة في الحياة.
يحكي الحليب عن المراعي حيث رعت النوق، ويمكن للبيظان التعرف من خلال طعمه على الأعشاب والنباتات، وبالتالي تحديد مسار القطيع.
الجمل محور العلاقات الاجتماعية
يتمحور الجمل في التقاليد العريقة للبيظان الرحل صلب كل العلاقات الاجتماعية. ويمكن تقديم النحيرة) التضحية بناقة (من إكرام الضيف والتعبير له عن الصداقة والتقدير والامتنان.
إهداء النحيرة لزاوية او لخيمة ما" الأسرة البيظانية " برهان عظيم على الاحترام والارتباط الاجتماعي.
" التعركيبة": الطقس المتمثل في تقديم النحيرة امام خيمة أحد الوجهاء، وهو اثبات مشهود للاستعداد الكامل للتحالف بين قبائل الرحل.
لباس المرأة في المغرب الصحراوي
الملحفة هي لباس المرأة الصحراوية
لقد عرف القماش كيف يتطور، بكل أناقة، من النيلة الأصيلة حتى المنسوجات الحريرية واللامعة في أيامنا هذه.
" النكشة" هي التنورة المنسدلة تحت الملحفة لملء تقاطيع الجسم، أنها تلوح من خلال الملحفة أثناء تحرك البيظانية.
المرأة الصحراوية بارعة في فن الالتحاف الأنيق، فهي تعرف كيف تلف حولها الملحفة بتناسق عجيب، حيث تبدأ اللفة الأولى من أعلى الكتف الأيسر فتغطي كامل الظهر ثم الصدر مرورا بالأطراف.
لقد صارت الملحفة، لباس الامرأة الصحراوية بامتياز، مزيجا من الالوان والرسومات، وخليطا من جودة النسيج وشفافيته.، بدء من النيلة الى التمازج الرفيع في الألوان والأثواب.
عرفت الملحفة تطورا سريعا بدخولها اليوم الى عالم الموضة الراقية والانسجة الحريرية.
الدراعة: لباس الرجل الصحراوي
يتشكل لباس الرجل الصحراوي أساسا من الدراعة والسروال والحولي والنعل، والدراعة لباس تقليدي فضفاض بغلب عليه الاتساع، ويفضل اهل الصحراء اللونين الأزرق الفاتح والأبيض، وفي حالات ناذرة الألوان الداكنة.
توظف العديد من التطاريز والتشكيلات الزخرفية لتزيين الجيب الذي يتوسط الدراعة أو أعلى الكتف مما يضفي على هذا اللباس جمالية فائقة يزيدها رونقا إبداع الخياطين التقليديين وقدرتهم على الخلق والابتكار.
الحكايات
الرواية الشفهية هي كتاب البيضان الحي، لقد تم إبداع كل شيء فيه، تاريخ الرحل، ماضي مسارات الانتجاع، وكذلك مختلف أوجه الحياة بالصحراء.
يسميها البيظان روايات، وانه لعنوان ملاءم، لان هذه الخرافات والحكايات مدينة بالكثير الى السرد الشفهي ـ، لأن البيظان يقدرون الحكي أثناء سهرات الرحل بالمخيمات، عدد لا نهائي من القصص القصيرة الطريفة.
تقدم هذه الحكايات كشذرات أدبية طريفة، مشاهد حياة الرحل عبر شخصيات عجائبية، حيوانات من البيئة الصحراوية" جمل، ارنب، ابن آوى، ضبع".
المحضرة
اعتمد التعليم التقليدي بالوسط الترحالي نظام تلقين قائم على الذاكرة، الملكة الشفهية هي السائدة في نقل المعارف، والبيظان معروفون بقدرتهم الممتازة على الحفظ، إنهم يحفظون عن ظهر قلب النصوص الدينية، مئات القصائد، ويرددون في كل مقابلة عشرات الأقوال المأثورة
يقول أحد أمثال البيظان أن المعرفة تكتسب من العلماء وليس من جوف الكتب
أما المحضرة فتشكل جامعة الصحراء، إنها مدرسة الحياة بالصحراء، التنقل والتأقلم هما الكلمتان البليغتان لوصف هذه المؤسسة المتميزة بتفضيلها هي الأخرى للحفظ الشفهي للمعلومة.
العلاج بالأعشاب
الطب التقليدي لدى رحل المغرب الصحراوي يتفاعل مع المجال البيئي الذي يؤطر عيشهم، كل المعارف التي توارثها البيظان تختزل هذه العلاقة المتميزة بالوسط البيئي.
القاموس الطبي الحساني ينغلق على مفردات وتعابير خاصة تشكل هذا الموروث من المعارف حول الداء والدواء.
لا نستغرب إذا ان تكون هذه الخبرات بكل هذه الدقة حول فوائد كل جنس من النباتات والأوراق والأشجار التي تشكل الغطاء النباتي بالمراعي التي ينتجعونها.
يعرف الرحل كيف يجدون الترياق والدواء لكل علة تصيب الانسان ويعلمون كيف يزاوجون بين الأعشاب لاستخلاص الادوية التي تصيب قطعانهم فأبدعوا في الوصفات الطبية واختبروا عبر القرون الأجوبة الشافية لكل مرض.
ـ رسوم تخطيطية لبعض الأعشاب الطبية للمغرب الصحراوي.
أ ـ الطلح:
رغم ان اصوله بعود الى افريقيا الاستوائية إلا ان الطلع يظل الشجر الأكثر شيوعا بالمغرب الصحراوي. تملأ أشجاره جنبات الاودية او على السفوح، وله استعمالات متعددة كحطب، كما ان صلابة عودها تمنح للرحل مادة أساسية لصناعة ونحت العديد من الأدوات لاستعمالاتهم اليومية، فضلا عن كون الفحم الذي تنتجه بعد الاحتراق يشكل أساس اجود أنواع الحبر في الصحراء.
اما الثمار التي تملا فروع هذه الشجرة فبذورها تعد مادة رئيسية في تغذية الماشية، خاصة الإبل، وتكون هذه الفاكهة نافعة عندما تكون ناضجة أي في الفترة الممتدة ما بين شهري يناير وابريل.
يستخلص أهالي الصحراء مادة العلك – الصمغ العربي- من شجرة الطلح، وهي مادة لها العديد من الاستعمالات الطبية لدى البيظان. ولشجر الطلح خاصية مهمة في المساعدة على اندمال الحروق كما ان اوراقها بعد دلكها توضع كضمادة تمنع الجروح من التعفن، ويستعمل لحاءها في شفاء امراض الجهاز الهضمي وآلام الأمعاء وغيرها.
أ – العلك:
العلك او الصمغ العربي يشكل مادة أساسية لتلفيف العديد من المواد الصيدلانية الغربية.
يتم شربه مع الشاي او مع ماء مغلى ويتم احتساء هذا المشروب كدواء للمساعدة على علاج العديد من الامراض لدى اهل الصحراء.
ب – المخينزة:
عشبة نثنه الرائحة كما يدل على ذلك اسمها بالحسانية ـ تصيب الإبل بنوبات جنون حيت تبالغ في استهلاكها، ولكن البيظان يعرفون كيف يستعملون منها نسبة دقيقة لاستخلاص دواء شاف للأمراض، وتستعمل مثلا لعلاج الجرب الذي يصيب الإبل بعد تغليتها
في الماء ووضع خليطها على المناطق المصابة من جلد الجمل.
ج – تورجا
وهي شجرة تعمر المناطق الصحراوية، لها أوراق غليظة ومنبسطة، تفضلها القطعان حين تكون جافة وتستعمل النساء اوراقها طرية كمادة مثبتة للحناء التي ترصع ايديهن واقدامهن.
ويفضل أهل الصحراء غصنها اللبني لعلاج الجرب الذي يصيب الإبل كما ان استعمالاتها عديدة في البيطرة التقليدية.
الفنون الغنائية والموسيقية بالصحراء:
ارتبطت الموسيقى والشعر دوما بالمغرب الصحراوي برباط وثيق، في الصحراء لا تنظم حفلات موسيقية، ولكن يتم التجمع تحت الخيمة في امسيات شعرية غنائية.
تتفنن التعبير الموسيقي يستمد سبب وجوده من الشعر والعكس بالعكس، فالإبداع الشعري في حاجة الى الموسيقى لكي يتفتح.
تستند القصيدة الحسانية حتى عند إنشاءها الى الموسيقى والى معايير نظام صيغتها.
أ – الهول:
للحديث عن الموسيقى التقليدية الحسانية بمعناها الواسع، يتم استعمال مصطلح " هول" الذي لا يعرف كثيرا أصله الاشتقاقي، فهل يتعلق الامر بالإحالة على مفاهيم الخطر والجدية؟ هناك بالفعل في الثقافة الحسانية معنى التبجيل الذي عندما يجتمع مع التسلية، يستدعي حضور الدهن كملكة السماع، وبالكاد تقطع بالتعابير عن الفرح وكلمات التشجيع الموجهة الى الشعراء.
الموسيقى الحسانية باحترامها لمعايير متعددة، تستمد دقتها الرفيعة من علاقتها المباشرة بالمعنى الشعري، وتتأكد هذه الدقة بالعناية التي يحيط بها الموسيقيون تفرد اللعب الشفهي وتفاصيل تقنية الآلات الموسيقية.
يتكون الهول في آن معا من الشعر المنشد " لغنا" ومن الموسيقى الآلية " أزوان"، ميدانين متمايزين ومتكاملين في وقت واحد، يشملان كل منابع الإبداع الشعري – الموسيقي البيظاني في مفهوم " لغنا، " الشعر المنشد احيل بطريقة غير مباشرة على الموسيقى أهم مصطلح " ازوان"، ويستعمل اليوم أكثر فأكثر سواء بالنسبة للموسيقى الحسانية او بالنسبة للموسيقى الامازيغية. أما الرقص فيرتبط جزئيا بالهول، ولكت بالإمكان أيضا أن يمارس بطريقة مستقلة.
فرض الهول، وهو الوفي لتقاليد أحراء الصحراء حضور الشاعر) المغني (المطربين الضاربين على الآلات) إكاون (وجمهور مدعو في الغالب مسبقا، يتمسك كل واحد منهم بالدور الذي تمنحه له التقاليد والمرتبة الاجتماعية..
يمتلك الهول فضائل تربوية واجتماعية، إنه يساهم في الرقي بالذوق، نشر القيم التقليدية للمجتمع. إنه يقيم درسا في الاستماع كما يمكنه أن يحمل موضوعا دينيا أو تأديبيا، ويشكل بذلك اطارا عاما للثقافة الحسانية.
ب – إكاون:
الموسيقى والغناء ينقلان ويمارسان من طرف إكاون، الفاعلون الرئيسيون في لموسيقى الحسانية، الموسيقى التي تسمى أيضا ازوان، وهي المكمل والامتداد المنطقي للشعر، إذا هم موسيقيون "محترفون"، يؤلفون وينشدون القصائد، يغنون، يضربون على الآلات، وغالبا ما يعرفون أيضا الرقص. وتاريخيا هم المرافقون الضروريون لطبقة النبلاء المحاربين أو العلماء، يقومون لديها بدور المادحين والمسليين، كما أن سائر طبقات المجتمع تحتفظ لهم بالاحترام..
إكاون، ذوي الأصول الاجتماعية والعرقية المتنوعة كونوا تدريجيا طبقة متلاحمة في المجتمع البيظاني التقليدي، ونتج عن ذلك إحاطتهم لأسرارهم الفنية بالكتمان، متوارثين لها أبا عن جد.
الآلات الموسيقي
يستعمل الموسيقيون عدة آلات تقليدية، أضيفت اليها مجموعة من الآلات الحديثة في أيامنا هذه، فتندمجا بالكامل في الثقافة الحسانية.
لفهم الموسيقى الحسانية لابد من العزف على الآلات الموسيقية التقليدية التي يمكن اعتبارها، على بعض المستويات، مكملا أو محاكاة للتقنية الصوتية، فهذان السجلان غير قابلين للفصل بينهما، يساهمان في تحديد جو الصياغة المطلوب للتأكيد على معنى المحمول الشعري.
أ – تدينيت:
هي آلة العود ذات أربعة أوتار، يصنع الهيكل من طرف الصانع التقليدي من قطعة خشبية وحيدة ذات شكل مستطيل. مشد التناغم هو جلد ثور مثبت على الهيكل بواسطة سيور جلدية او مسامير نحاسية، عصاها هي قطعة خشبية طويلة أسطوانية، في آخرها قضبان صغيرة. تشمل الآلة أربعة اوتار: اثنان طويلان مشدودان ينقران عند العزف، اثنان قصيران يرنان باستمرار على فراغ" يسميان الوثر المؤنسان".
ب – أردين: القيثارة الحسانية:
هذه الآلة التقليدية ذات الأوتار المكونة من هيكل خشبي، أو من كرنيب) لغشاش (نصف أسطواني مغلق بجلد البقر، له عصا خشبية، هي أداة موسيقية خاصية بالنساءـ تتدلى منها جلاجل معدنية ـ أوتارها مشدودة على مستوى شبه عمودي بالنسبة لمشد التناغم، ومعقودة بين القطعة الخشبية الافقية المرتبطة بالمشد وبالعصا، خالقة معها زاوية منفرجة ذات 120 درجة تقريبا.
وهناك آلات موسيقية أخرى تساهم إما في منح نطاق نغمي للأغنية " النيفارة، الناي اذي الخمسة ثقوب، الزوزاية، الناي المنحني المستعمل من طرف الرعاة، الرباب" أو لتعزيز قوة النغم.
أ - الآلات المقروعة:
يجري حاليا تعميم استخدام الطبل كأداة مقروعة، ويضرب باليدين العاريتين ممكنا من عزف الإيقاع الأساسي سواء يضاف اليه تنويعات او ترديدا ايقاعيا في الرقصات والقصائد الملحمية.
تستطيع تكواتن ان يقرعن الطبل وهن يرقصن جالسات منا في الترنيمة الذائعة الصيت، والتي تحاكي أداء الصلاة.
موسيقيون بالنيفارة بموسم طانطان في المقاطع المحددة المعزوفة من طرف تكواتن ينبغي أن يكون الإيقاع الأساسي مسموعا باستمرار، ولكن من الممكن ان يكون مصحوبا بطبقات ايقاعية.
ازوان: الموسيقى المقامية
ازوان، الموسيقى الحسانية هي موسيقى مقامية ، نظامها قديم يتبع الموسيقيون متتالية جبرية بأربع مقامات- كر – فاغو – سنيمة ولبتيت، وكذلك مخطط مقامي صارم يبدأ بمقام كر وينتهي ببتيت ، يمكن هذا المخطط المقامي المقنن المستمعين المتنبهين عند بلوغ منتصف الأمسية الشعرية الموسيقية ، من المسايرة وهم يعلمون تماما الشطر الذي تم بلوغه من الحفل ـ يمكن لهذه المتتالية ذات المراحل الأربعة أن تختصر او تمدد حسب عدد الأغاني والفواصل التي يقرر الشعراء والموسيقيون إدخالهاـ والحال انه من غير المعقول قلب نظام الانتقال بين المقامات، كل مقام مقسم الى مقامات فرعية ناتجة عن طريقتين مستعارتين ) لكحال( او ) لبياض. يخص المعيار الموسيقي الصارم المذكور للأمسيات الشعرية الموسيقية التقليدية. يعبر الموسيقيون الجدد والمغنيات الكثير من التنوعات الحرة التي تدل على حجم تأثيرات الموسيقى المعاصرة.
الرقصات
الرقصات بالمغرب الصحراوي بمخالف اشكالها الذكورية والأنثوية محصورة في عدد من الحركات، وليس هناك حركات عنيفة او خليعة، لا قفزات لا هز للبطون، لا توراك وفي المقابل يشدد على ايحاءات حركة الذراعين، اليدين والأصابع، الحركات المشهدية والمضبوطة.
يمتلك الكثير من الرقصات الجماعية بالمغرب الصحراوي طابعا حكائيا، مشتمل على قيم تربوية مثل التويزة " العمل التضامني الجماعي"، ولكن أيضا الحركات اليومية يؤول الرقص الى رقصات منفردة او ثنائية، متواجه في هذه الأخيرة تعابير معتدلة عن القوة أو المشاعر في استحضار عشاق الرقصات بأخرى مرتبطة بالاحتفال الشعبي بالمناسبات والاعراس وهي أكثر عفوية وتحدث فرحا جماعيا كبيرا.
أ – الكدرة
الكدرة هي بالتأكيد الرقصة الأكثر شهرة بالمغرب الصحراوي، مؤثرة بصوت النقر الذي يخرق الصمت الليلي معلنا عن سهرة ساخنة ومضيافة.
تنفذ الرقصة من طرف نساء عديدات والتوالي يقمن بها في الغالب منفردات، الواحدة تلوى الأخرى. يحيط الرجال بالراقصة التي تدخل الى الدائرة " الكور"، متقدمة على ركبتيها، شبه محجبة تاركة يديها المزينتين بالحناء ظاهرتين.
يختص النكار بالنقر على) الكدرة أو الطبلة الحاملة للاسم ذاته (أو الذي يطبع الرقصة ذات الاسم نفسه. النقر الناتج عن القرع هو في نبض الواقع الفيزيائي المحيط، سير الإبل مثل الإيقاع الأول البطيء، مشابه لضربات القلب الإنساني.
الفرقة المحيطة بالراقصة تواكب الكدرة بالتصفيق. تحرك الراقصة ملحفتها، وكذلك حليها في لعبة بين والحجاب والسفور، إلى ان اتنزع عليها الحجاب كاشفة عن وجهها. تشتد سرعة الإيقاع مع تسارع الانفاس الراقصة.
وقد شجعها الحماس الذي شمل الجمهور أيضا تدفع الراقصة بكل طاقتها في أداء الطقس حتى النهاية.
الزواج عند أهل الصحراء
عادة يبدأ الزواج بنقد العروس، ثم ارسال أم مشرح الزواج الى خيمة أهل العروس لتخبرهم بعزم عائلتها التصاهر معهم واخذ موافقتهم، تعقبها زيارة رسمية يحضرها العائلتان ومعهم أكياس سكر وكبش وملابس للخطيبة، وبعد الاتفاق على موعد العرس تتم قراءة الفاتحة وتحديد موعد الزواج لتبدأ العروس في التهيء لليوم الموعود الذي تم الاتفاق حوله بين العائلتين، وتقبع الفتاة المخطوبة بداخل بيت أهلها مدة شهر قبل الزواج حيث تحظى بعناية خاصة لتكون في أفضل صورة يوم العرس.
يبدأ اليوم الأول من أيام الزفاف وهو الذي يعرف ب " الدفوع"، ويتم الاتفاق على قدر المهر وتحرير العقد، لتطلق الزغاريد ايدانا بالجهر بالزواج، ويحمل الدفوع الذي هو عبارة عن أكياس من السكر، وبعض المجوهرات والعطور، وتحمل هذه الهدايا فوق الجمال في موكب جماعي حماسي مليء بالفرح، بالمقابل ينتظر اهل العروس وصول أهل العريس واستقبالهم أمام الخيمة بالتمر والحليب كدليل على الرضى والفرح مرتديات لباسا خاصا متمثلا في " نكشة بيضاء وملحفة سوداء وظفائر خاصة".
يستغرق العرس الصحراوي سبعة أيام، وتتم الدخلة في الليلة الأخيرة من العرس حيث يدخل العريس بعروسه وسط جو مشحون بالطرب والغناء والرقص، ويتميز العرس الصحراوي بطقوس خاصة من قبيل ارتداء العروس السواد ليلة زفافها، ولا تزف الى العريس ويتم اخفاءها عنه بعد عقد القران مباشرة، واقامة جلسة مشتركة تسمى " السجال" وهي سهرة عند أهل العروس.
هذا فضلا عن مظاهر اخرى من مظاهر حياة البدو الرحل في الصحراء المغربية والتي تشكل رافدا من روافد التراث الحساني لأهل الصحراء التي توارثوها ابا عن جد من قبيل الألعاب، والتحكيم، وسباق الجمال وغيرها.
تعليقات الزوّار
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي سكوبريس