كيف تعرب المغرب؟ 

كيف تعرب المغرب؟ 
بقلم: ثريا جابري 17 أكتوبر 2022

من نافلة القول إن اللغة العربية وصلت إلى شمال افريقيا مع وصول الاسلام، إلا أن هذا الدين انتشر بسرعة بينما تأخر التعريب بمسافة شاسعة، فالمسلم يمارس كل شعائره باللغة العربية: الشهادة والصلاة والدعاء وقراءة النصوص القرآنية ، لكن إسلام الامازيغ يقول عبد الله العروي ظل خلال القرون الاولى اسلاما سطحيا بينما كان تعريبهم " أكثر سطحية ".
وقد أشار ابن خلدون الى هذه الحقيقة في قوله:" فأما اهل إفريقيا والمغرب فأفادهم الاقتصار على القرآن القصور عن ملكة اللسان جملة، وذلك أن القرآن لا ينشأ عنه في الغالب ملكة بما أن البشر مصروفون عن الاتيان بمثله، فلا يحصل لصاحبه ملكة في اللسان العربي وحظه الجمود في العبارات وقلة التصرف في الكلام." 
ويمكن القول أن انتشار اللغة العربية في البداية كان محصورا في المدن الكبرى لأن المدينة تجمع سكني تتوفر فيه كل شروط الممارسات الدينية من مساجد وكتاتيب ومدارس ومحاكم.. وهي ايضا سوق للتبادل التجاري ومجالا للتواصل مع الغير ...أما البوادي فبقيت مجالا للغة الامازيغية خاصة في الجزء الجنوبي من البلاد 
وفي هذا يقول ابن خلدون في المقدمة:" اعلم أن لغات الامصار انما تكون بلسان الامة أو الجيل الغالبين عليها، أو المختلطين لها ولذلك كانت لغات الامصار الاسلامية كلها بالمشرق وبالمغرب لهذا العهد عربية."
كما لعب عامل الهجرة من الشرق والاندلس دورا في التعريب 
حيث استقبلت المدن التي أنشأها المسلمون " الفاتحون " كفاس مجموعات عربية مهمة قدمت من القيروان والاندلس وما ترتب عن ذلك من تواصل بين المهاجرين والسكان الاصليين للبلاد 
ويذكر على الخصوص استفادة الادارسة من خبرة الجالية القيروانية في تعريب الادارة كما اصبحت مراكش قبلة للعديد من الاندلسيين الذين التحقوا بالبلاط المرابطي وكذا مدينة سبتة باستقبالها للأندلسيين عندما كانت هذه المدينة تابعة للأمويين بالأندلس 
أما البوادي فقد بدأ تعريبها على نطاق واسع مع الهجرات الهلالية في القرن الثاني عشر   ويدخل تحرك القبائل الهلالية باتجاه المغرب في إطار الصراع القائم بين فاطميي مصر والدولة الموحدية التي كانت سلطتها آنذاك تغطي كامل شمال إفريقيا.   وقد دفع الفاطميون بهذه القبائل المشاغبة كي تزحف باتجاه افريقيا حيث وظفها الموحدون دينيا وسياسيا واوطنوها بالسهول الاطلسية التي كانت ذات كثافة سكانية ضعيفة 
وسيظهر دور الهلاليين في نشر اللغة العربية مع ضعف الموحدين وانفلات القبائل الهلالية من سلطة الدولة وعودتها الى حياة الترحال وانتشارها في السهول الاطلسية الذي سيجعلها في احتكاك أكثر مع السكان الامازيغ 
بالإضافة الى القبائل الهلالية كانت هناك هجرات قبائل عربية أخرى كقبائل معقل المعتمدة على الترحال والتي ساهمت في تعريب شرق المغرب وجنوبه، أي المناطق الصحراوية 
ومما لا شك فيه أن انتشار اللغة العربية خلال العهد الموحدي قد شهدت قفزة نوعية سواء على مستوى الدولة المركزية أو على المستوى الشعبي لكن الموحدين استعملوا "اللسان الغربي" أي الامازيغية كذلك، كلما دعت الضرورة الى ذلك 
فالمهدي بن تومرت عندما أراد نشر عقيدته بين أصحابه لجأ الى وضع مؤلفات باللغة الامازيغية لأفهام اتباعه معنى التوحيد، وكانت " المرشدة في التوحيد " أهم هذه المؤلفات ونفس الشيء ينطبق على عشرات المؤلفات الاخرى، ولم يكن استعمال الموحدين اللغة الامازيغية تعبيرا عن نزعة عرقية متعصبة بقدر ما كان استجابة لحاجات برغماتية تطلبها التواصل مع ساكنة لا تتحدث بغير الأمازيغية 
ومن نفس المنطلق حرص الموحدون على ألا يعين في المناصب الدينية آلا من يتقن اللسان " الغربي الامازيغي وقد بقي الاجراء ساريا حتى في مدينة فاس التي شهدت درجة متقدمة من التعريب فكان يشترط في امام جامع القرويين الالمام باللغتين العربية والامازيغية حتى يلبي حاجة الناس في الفهم والتواصل.
 مما لا شك فيه أن انتشار اللغة العربية قد عرف اتساعا غير مسبوق في العهد الموحدي لكن حركة التعريب كانت بطيئة وبقيت اللغة الامازيغية مترسخة في جل مناطق البلاد حتى بعد الموحدين والدليل على ذلك أن مدينة مراكش بل إن مناطق مثل دكالة والشاوية ظلت اللغة المستعملة عندها هي الامازيغية حتى القرن السادس عشر.

 



تعليقات الزوّار

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي سكوبريس

اترك تعليقا

إقرأ أيضا