العار والزواك بين المعتقد وضرورة السلم الاجتماعي

كثيرا ما نردد في حياتنا اليومية كلمات وعبارات مثل "أنا مزاوك فيك " "عاري عليك يا ...." ولا نعيرها أي اهتمام لانها جزء من كلامنا المتداول .فما دلالة الزواك والعار !؟
عندما شرع الاثنوغرافيون وعلماء الاجتماع الاوربيون في دراسة مجتمعات شمال إفريقيا كان من جملة ما لاحظوه هو لجوء الافراد والجماعات الى طلب الحماية في الاوقات الحرجة باسم " الزواك " ممن له سلطة مادية أو معنوية ويلتمس حمايته أو عفوه أو تلبية طلب ملح .
وقد يقدم طلب الاستجارة بشكل بسيط لايتعدى التلفظ بعبارة " أنا مزاوك فيك " أو يلجأ المستجير إلى إراقة الدم وقوة الاكراه التي تصاحبه، فيقوم بذبح رأس بقر أو غنم أو ماعز عند باب دار المستجار به فيصبح عندئذ من شبه المستحيل أن يرد المزاوك على أعفابه مخافة " العار الاجتماعي " أو مخافة عقاب سماوي قد يصيب هذا الاخير في نفسه او في ذويه او في ماله.
لكن أهم مظاهر الزواك كانت جماعية من طرف مجموعات قبلية لاغراض تتعلق بتحالفات تهم مجموعة من القبائل في مواجهة مجموعة أخرى خصوصا في حالة غياب حكم مركزي قوي يفصل بين الناس أفرادا وقبائل .وخلال العصر الحديث من تاريخ المخزن برز شكل غريب من أشكال الزواك او العار سمي" زواك المدفع "
يذكر المؤرخ الناصري أن سكان القبائل خلال حكم السلطان مولاي الحسن كثيرا ماكانوا يعترضون حركات هذا السلطان وهو يجوب أطراف البلاد ليطلبوا صفحه عن ما صدر منهم من عصيان او تقصير في دفع واجبات الضرائب حيث يتحين المستجيرون الفرصة ليقتربوا من مدافع الجيش ويعتصمون بها لجلب انتباه السلطان إلى مطالبهم ولو أن الامر لايتعلق إلا بقطعة من قطع المدفعية المخزنية ؛ لكن بأسها لايقل شدة عن بأس الاولياء وأصحاب البركة.
أما انتهاك " الزواك والعار "فله عواقب في المعتقد الشعبي
ففي بداية القرن العشرين عندما اشتدت الاطماع الاستعمارية حول المغرب، تدفق أعداد من الاوربييون الى البلاد ما بين تاجر ومستكشف ومخبر كلفته دولته بجمع الاخبار، أو " جغرافي " يرسم الخرائط ليضبط المسالك والاودية والتحصينات العسكرية؛ وبعد أن كان حضور الاوربييون محصورا على المراسي والشواطئ أصبحوا يقصدون حتى المدن الداخلية التي كانت محرمة عليهم من قبل، وهكذا قدم في سنة 1901 أحد المخبرين الانجليز إلى مدينة فاس ونجرأ على أن يخترق الحرم المحيط بضريح مولاي ادريس، بل وتجاوز كل الحدود عندما وطئت قدماه أرض الضريح في تحد لمشاعر السكان. وأمام هذا المشهد غير المسبوق، لم يتمالك أحد الزائرين نفسه فأخرج سلاحه وقتل الزائر الانجليزي على الفور. وبما أن القاتل كان يعرف ما ينتظره من عقاب من طرف المخزن، فإنه لجأ في اللحظة ذاتها الى الزواك ووضع نفسه تحت " عار مولاي آدريس ". معتقدا أن لا أحد يستطيع أن يخرجه من الحرم ويجرده من حماية أشهر أولياء المغرب وأقواهم بركة. لكن المسكين لم يكن يعرف أن سلطان البلاد أصبح بلا حول ولاقوة أمام القوى الاوربية المتنافسة والضاغطة عليه من كل صوب. وعلى إثر ضغوط شديدة من طرف الحكومة الانجليزية، تم إخراج القاتل من داخل الضريح وإعدامه فورا في تحد صارخ للأعراف ولمن يرعى الضريح .وتقول الرواية أنه بمجرد آنزال السيف على رقبة القاتل فقد تدفق الدم من جنبات الضريح !!
وبما أن العار حسب المعتقد الشائع لم يكن ليمر دون عقاب إذا لم تحترم رغبة المستجير فآنه كان لزاما على السلطان مولاي عبد العزيز أن يدفع الثمن غاليا: إذ مباشرة بعد هذا الحادث اضطربت الاحوال وانتشرت الفتنة في البلاد انتشار النار في الهشيم ،ممهدة الطريق لاكبر ثورة عرفها المغرب في القرن العشرين ، ثورة الفتان الجيلالي الزرهوني"بوحمارة "!!!؟
الإشكال المطروح الآن هو على من يمكن أن" نرمي العار " لكبح عدوانية جيراننا الاشقاء التي تجاوزت عدوانية الغير البعيد و الاجنبي !؟

تعليقات الزوّار
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي سكوبريس