الاغنية المغربية بين الامس واليوم

عاشت الاغنية المغربية ازهى ايامها في فترتي الستينات و السبعينات و الثمانينات، بفضل العناية و الاهتمام الذين حظيت بهما من طرف المحتضن الاول الاذاعة و التلفزة المغربية، و التي وضعت رهن اشارة الفنانين استوديوهاتها المركزية و الجهوية لتسجيل الاشرطة الغنائية، ووفرت ثلاث اجواق ضمت خيرة العازفين، يكفي ان نذكر الجوق الوطني العتيد الذي كان يرأسه المرحوم عبد القادر الراشدي، الذي اثرى الخزانة الوطنية بروائع خالدة، الجوق الوطني انداك ضم امهر العازفين امثال عمر الطنطاوي العازف على آلة العود، و صالح الشرقي العازف على آلة القانون، و بن براهيم العازف على آلة الناي و غيرهم كثير، الى جانب الجوقين الجهويين جوق اذاعة الدار البيضاء، الذي كان يرأسه المرحوم ابراهيم العلمي، و جوق اذاعة فاس الذي كان يرأسه المرحوم احمد الشجعي.
الاذاعة و التلفزة المغربية لم تكتف بالجانب اللوجستيكي، بل رفعت شعار البحث عن المواهب من خلال برنامجها الشهير مواهب، الذي كان يعده و يقدمه الموسيقار المرحوم عبد النبي الجيراري مكتشف المواهب، الذي داع صيته عربيا و دوليا، نذكر على سبيل المثال لا الحصر، الفنانة سميرة بن سعيد و هي لاتزال طفلة لم تتجاوز ربيعها التاسع، الفنانة عزيزة جلال و الراحلة رجاء بلمليح، محمود الادريسي، الملحن محمد بلخياط، عماد عبد الكبير، عز الدين المنتصر، و عبد المنعم الجامعي و البشير عبدو و محمد الغاوي و غيرهم، كما اهتم برنامج مواهب بالشعر و الزجل و التي خصصت له فقرة خاصة، اشرف على اعدادها الشاعر الغنائي المهدي زريوح، الى جانب برنامج مواهب كانت الاذاعة الوطنية تقوم بجولات عبر المدن للبحث عن المواهب و التنافس فيما بينها من خلال برنامج اضواء المدينة الذي كان يعده المنتج حميد العلوي.
هذه الاجواء مكنت من الارتقاء من اداء الفنانين، و الذين وجدو في قسم الموسيقى خير سند، و الذي كان يشرف عليه الموسيقار المرحوم احمد البيضاوي، هذا القسم كان يعطي التأشيرة لقبول الاغاني من طرف لجنة الكلمات التي كانت تنعقد كل اسبوع للنظر في الكلمات المرشحة لتكون مؤهلة للتلحين، و لا شك ان هذا الاحتضان اللا مشروط للإذاعة و التلفزة المغربية، ساهم في اثراء الساحة الفنية و اغنائها بشعراء فطاحل سواء على مستوى القصيدة و الزجل، و يكفي ان نذكر الاستاذ عبد الرفيع الجواهري صاحب رائعة القمر الاحمر، على مستوى الزجل برز شعراء امثال الطاهر السباطة و علي الحداني و عمر التلباني و أحمد الطيب العلج و فتح الله المغاري، على مستوى التلحين برز كذلك فطاحل امثال احمد العلوي،عبد القادر الراشدي،حسن السقاط،عبد السلام عامر، شكيب العاصمي، عبد القادر وهبي، محمد بلخياط، حسن القدميري، ... .
وجود ملحنين كبار افرز عمالقة في مجال الطرب امثال نعيمة سميح، حياة الادريسي، لطيفة رأفت، بهيجة ادريس، سميرة بن سعيد، آمال عبد القادر، سمية قيصر ماجدة عبد الوهاب ونعمان لحلو وعبد الهادي بلخياط، عبد الوهاب الدكالي، البشير عبدو، محمود الادريسي، احمد الغرباوي، محمد الحياني، محمد المزكلدي، محمد فيتح، ابراهيم العلمي، عبد الواحد التطواني، الحبيب الادريسي، محمد الغاوي، عماد عبد الكبير، عبد المنعم الجامعي وغيرهم.
الاحتضان الذي قامت به الاذاعة و التلفزة المغربية بدأت تتخلص منه تدريجيا، بتخليها عن الجوق الوطني و الجوقين الجهويين لإذاعة الدار البيضاء و فاس، هذه الاجواق تم اقبارها بقدرة قادر، و لم يعد لقسم الموسيقى اي اثر، حاولت القناة الثانية حمل المشعل من خلال برنامجها استوديو دوزيم لكن المحاولة ظلت محتشمة لم يكتب لها الاستمرارية، و في غياب قناة وطنية تعنى بالموسيقى يصارع فنانونا من اجل البقاء، ظهر الخلف و اصبحت الساحة الفنية تعج بالفنانين الشباب، الذين يمتلكون خامات صوتية هائلة استطاعوا من خلالها ان يؤكدوا وجودهم وطنيا و عربيا، بفعل اصرارهم و عزيمتهم القوية و اعتمادهم على كل الوسائل التي تمكنهم للترويج لإبداعاتهم بما فيها مواقع التواصل الاجتماعي، لكن ما يعاب على هؤلاء الفنانين قطيعتهم مع الفنانين الرواد الذين اكدوا غير ما مرة استعدادهم للتعاون مع الفنانين الشباب الذين انصرفوا نحو الاغاني الشبابية ذات الإيقاعات السريعة، و التي تجعلها احيانا بعيدة عن الهوية الموسيقية المغربية.
ما نتمناه هو ان يتحفنا شبابنا بأغاني خالدة ذات مضامين هادفة، اغاني نستمتع من خلالها الى الكلمة العذبة والراقية واللحن الجميل، فالظروف التي يشتغل فيها الفنانون الشباب مواتية بالمقارنة مع الماضي، بالنظر لتعدد القنوات الوطنية والعربية والبرامج الفنية وتعدد المهرجانات. لابد من تقوية الجسور بين الرواد والشباب، وهذه المسؤولية المشتركة تتقاسمها وسائل الاعلام والاتصال باعتبارها الوصية على القطاع الفني وشركات الانتاج.
تعليقات الزوّار
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي سكوبريس