الخِتــــان أيام زمـــــان

الخِــتان هو ختن قُلْفة الذكر؛ وهي عملية جراحية، تمارس في لحظة وجيزة، لكن وقعها النفسي على بعض الأطفال قد يطول، رغم خضوعها للتطور، سواء على مستوى الطقوس المرافقة، أو تعلق الأمر بآلة الختان التي كانت عبارة عن مقص بدون تخدير موضعي، قبل أن تصبح في وقتنا الحالي تمارس (حسي مسي) بآلة الليزر، داخل عيادة، أو مصحة وأحيانا خلال الأسابيع الأولى من الولادة.
مازلت أتذكّر لحظة خُضوعي لعملية ختان، صحبة أخي مصطفى الذي يكبرني بسنتين، وأخي عبد الإله الذي يصغرني بعامين، حيث أقام والدي حفلا يليق بالمناسبة، حضره المدعوون والمدعوات من العائلة والجيران، وامتد الحفل طيلة ليلة السبت بتنشيط من مجموعة الشيخات، وهي المجموعة التي أطربت الحضور غناء ورقصا.. ذلك أن الأعراس لم تكن مختلطة وقتذاك، وكانت الشيخات تتفنن في تقديم وصلات الغناء وحركات الرقص أمام الرجال، بينما فقرات التنشيط المخصصة للنساء، تتم برمجتها زوال اليوم الموالي، وكانت تنشطها مجموعة العونيات، أو جوق العميين.
صباح يوم الأحد، وضعنا طلاء من الحناء عبارة عن دائرة في الكف الأيمن، وارتدينا لباسا تقليديا خاصا بالختان، ووضعنا على رؤوسنا طربوشا أخضر تزينه من الأمام نجمة خماسية الشكل، ذهبية اللون، وانتعلنا بلغة بيضاء، ووضعوا لنا في اليد اليمنى دملج خيط، تتوسطه قطعة قماش صغيرة (صريرة) بداخلها قليل من الشب والحرمل، وانطلقنا في موكب نحو المسجد على إيقاع التكبير والصلاة على النبي.
المعاملة التي حظيت بها صباح يوم الأحد، وقبل إجراء عملية الختان؛ كانت استثنائية، حيث لقيت عناية خاصة من قبل الجميع، فهذا يقول لي (أنت زوين بزاف) وذاك يهمس في أذني (أنت شجاع) وسيدة تؤكد لي (أنت مكتخافش أنت صحيح) وأمام هذه العبارات التي ترفع المعنويات، كنت أتأمل الحضور، وأقرأ على الوجوه مسَحات الإشفاق والعطف. وفي زاوية من زوايا البيت، جلست والدتي وقد وضعت على رأسها طلاء من الحناء، تحلقت حولها جماعة من النساء تبارك وتردد أهازيج تليق بالمناسبة.
حضر الحجام (الخَاتِن)، وما أدراك ما الحجام، يحمل ما يشبه حقيبة يدوية خشبية الصُّنع، ويرتدي ما يسمى ـ تجاوزا ـ وزرة بيضاء اللون. وجًه لنا نحن الإخوة الثلاثة المعنيين باستئصال القُلْفة ابتسامة؛ ظاهرها ترحيب، وباطنها قسوة، وبحضوره تعالت أصوات النسوة وهن يرددن العبارة التي ارتبطت بهذه المناسبة (الحجام العار عليك، راه وليدي بين إيديك).
حمل خالي بوشعيب رحمه الله أخي مصطفى إلى البيت المخصص لعملية الخِتان، في الوقت الذي تم الاحتفاظ بي صحبة أخي الأصغر في الطابق العلوي من العمارة في بيت الجيران، كي لا نرى مشهد ختان أخينا، ولا نتفرج على بكائه وعويله.
وبما أنني الثاني في برنامج (الطهارة) حملني الخال بين دراعيه، ونزل بي إلى بيتنا في الطابق السفلي، حيث الحجام في انتظاري، والنسوة يواصلن ترديد عبارة (الحجام العار عليك..) ومازال هذا المشهد موشوما في ذاكرتي، حيث أجلسني الخال على قصعة، ووقف خلف ظهري، مستعملا دراعيه بين فخدي فاتحا رجلي، بما يشبه زاوية منفرجة، وبما يضمن شلً تحركاتي، فطلقت العنان للبكاء والصياح، قبل أن يبادرني الحجام بالعبارة الخادعة (شوف فرييخ، شوف فرييخ..) وما أن رفعت رأسي إلى سقف البيت، حتى قُطِعت القُلْفة وسال الدم على القصعة، فازداد بكائي وعويلي...
تبقى أجمل لحظة عشتها، تلك التي أعقبت عملية الختان، حيث تناوب أفراد العائلة والجيران على تقديم هدية نقدية لا تتعدى ـ في أحسن الأحوال ـ نصف درهم، يتم وضعها داخل كيس من الثوب؛ عبارة عن صدرية، تشجيعا لنا لإيقاف الصراخ والعويل، ومع ذلك واصلنا البكاء بشكل فردي وثنائي وجماعي، جراء الألم العضوي، وهو الألم الذي لازم نفسيتي دون أن أدري.
ترى كيف عشت أنت لحظة الختان؟
تعليقات الزوّار
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي سكوبريس