كرونولوجيا استعادة المملكة المغربية لسيادتها على منطقة واد الذهب 

كرونولوجيا استعادة المملكة المغربية لسيادتها على منطقة واد الذهب 
محمد صالح اكليم 14 أغسطس 2023

 تحلّ، اليوم 14 غشت، الذكرى 44 لاسترجاع المغرب لوادي الذهب، وهي المنطقة التي لم تتسلّمها المملكة من يد مستعمر أوروبي كباقي المناطق، بل سحبتها من قلب اتفاق كان يقضي بنقل السيادة عليها من موريتانيا إلى جبهة البوليساريو الانفصالية ـ بعد انقلاب مجموعة من ضباط الجيش الموريتاني بقيادة العقيد ولد هيدالة، في يوليوز 1979، على الرئيس المختار ولد دادة الذي كان يشكل حليفا استراتيجيا للمغرب في يوليوز 1979.
إقليم وادي الذهب الذي خضع للسيطرة الموريتانية بناء على اتفاقية مدريد الشهيرة التي وقعت بين المغرب وإسبانيا وموريتانيا في أبريل 1976، الا ان هذه الأخيرة وبتحريض من جنرالات العسكر الجزائري، الحكام الفعليين في قصر المرادية، والذين كانوا وراء الحركة الانقلابية في نواكشوط والتي أطاحت بالرئيس المختار ولد دادة بسبب موقفه من قضية الصحراء المغربية، والتزامه ببنود اتفاقية مدريد، ابوا الى ان يقطعوا حبل تواصل المملكة بعمقها الافريقي بخلق كيان وهمي  يستوطنونه  بمنطقة واد الذهب ضدا على الشرعية الدولية، وخدمة لأهدافهم التوسعية بإيجاد منفذ على البحر الأبيض المتوسط ، الا ان فطنة الراحل الحسن الثاني ويقظة المخابرات المغربية، واحترافية القوات المسلحة الملكية بكل أسلحتها ومصالحها حالت دون تحقيق مطامع حكام الجزائر، وذلك في عملية استباقية ، مكنت من قطع الطريق عليهم وتم انزال القوات المغربية  بالمنطقة للحيلولة دون تمكن الجزائر وصنيعتها من تحقيق احلامها على ارض الواقع.  
استرجاع المغرب لإقليم وادي الذهب لم يتم عبر سلك السبل العسكرية وفرض الواقع بالقوة بل رافقتها بيعةٍ رسميةٍ قدمها شيوخ وأعيان الإقليم للملك الراحل الحسن الثاني، الشيء الذي اكسب العملية مبررا قانونيا وشرعيا أفسد على الجزائر وصنيعتها ومن يسير في فلكها من الحكام العسكريين الجدد في القصر الرئاسي بنواكشوط. وهذه كرونولوجيا استعادة المملكة المغربية لإقليم وادي الذهب: 
في وثيقة استخباراتية أمريكية مؤرخة في 19 أكتوبر 1978، نقرأ سبع صفحات تفيد بأن جوهر الخلاف الذي كان ينذر حينها باندلاع حرب طاحنة بين المغرب والجزائر، يعود إلى قرار المغرب وموريتانيا اقتسام السيادة على الصحراء، وهو ما اعتبرته الجزائر غير قانوني مشددة على ضرورة تنظيم استفتاء لتقرير المصير. ويضيف التقرير أن إسبانيا بصفتها المستعمر السابق، تعتبر بدورها أن تنازلها عن إدارة الإقليم لكل من المغرب وموريتانيا لا يعني تقريرا للمصير، بينما يصرّ المغرب على أن السكان اسْتُشيروا وقبلوا من خلال "الجماعة"، أي الهيئة التي كانت إسبانيا تعتبرها مخاطبا محليا لها في الصحراء. وعن احتمالات الحل، تقول الوثيقة الأمريكية إن المغرب يرفض أي حديث عن استفتاء يتضمن سؤال الاستقلال، في مقابل استعداد المملكة القبول بحل يقوم على أساس فيدرالي بين موريتانيا والجزء الخاضع لموريتانيا من الصحراء باعتباره حلا نهائيا للنزاع.
في جذور هذه الفكرة القائمة على اقتسام الصحراء بين المغرب وموريتانيا، نعود إلى الأيام الأولى التي أعقبت تنظيم المسيرة الخضراء. في ندوة صحافية عقدها بالقصر الملكي بالرباط يوم 25 نونبر 1975، روى الملك الحسن الثاني مضمون الحوار الذي دار بينه وبين الأمين العام للأمم المتحدة كورت فولدهايم مستهل عام 1975. وقال رحمه الله:" عندما التقيت السيد فولدهيم (الأمين العام للأمم المتحدة) في أوائل السنة قال لي بعد مأدبة عشاء: لقد بدأت تروج بعض الإشاعات في كواليس الأمم المتحدة عن اقتسام الصحراء بينكم وبين موريتانيا. وقلت: هل تشكون في ذلك ياحضرة الأمين العام؟ فقال لي: كيف؟ فقلت: عندما قبلت الأمم المتحدة طرح السؤال على محكمة العدل الدولية التي هي مستشاركم القانوني على الشكل التالي: ما هي العلاقات التي كانت تربط المغرب بالصحراء؟ وما هي العلاقات التي كانت تربط موريتانيا بالصحراء؟ قصدتم من ذلك نصا وضمنيا أنه يمكن أن يكون هناك جواب واحد بأنه توجد روابط مع كلا الجانبين، وبالنتيجة نصل في الختام إلى اقتسام“.
الملك الراحل حرص على التوضيح أن الأمر ليس اقتساما من طرف المحتل، أو بين المغاربة والموريتانيين التوسعيين "الذين يريدون اقتسام جثة ذلك الطفل البئيس الذي ولد، إنه فقط عودة إلى الينابيع، والاقتسام كان مدرجا في الطلب الذي قدمناه إلى محكمة العدل الدولية… وفي ما يتعلق بخط الحدود، أريد أن أقول لكم إن ذلك لم يتم تحديده بصفة كاملة، ولم يحدد بعد، لكن يمكن لي القول على كل حال بأنه لن تكون هناك ولو نقطة واحدة من الخلاف بين موريتانيا والمغرب، ولقد سويّنا جميع مشاكلنا، وسواء أحب ذلك من أحب وكره من كره من الآخرين، فلن تكون هناك أي فجوة من شأنها أن تستعمل كنقطة ارتكاز لأداة انفجار بين المغرب وموريتانيا…”.
وأضاف الملك الراحل أنه شخصيا لم يكن مع فكرة ضم موريتانيا إلى المغرب، “وقد قلت ذلك في أول استجواب لي لما شرفني والدي بأن أكون نائبا لرئيس مجلس الحكومة التي كان يرأسها، ولقد طالبت في استجوابي بإجراء استفتاء في موريتانيا، وأن يطلب من الموريتانيين هل يرغبون في أن يصبحوا مغاربة أو يريدون البقاء مستقلين، وفيما إذا رفضوا أن يصبحوا مغاربة فالمغرب يكون أول المعترفين وتأييدهم لدخول الأمم المتحدة وأن يفتح أكبر سفارة له في موريتانيا لأنني لا أرى ذلك نوعا من الخيال، فليس من المعقول أن أطالب بتمبوكتو لأن المغرب كان يملكها في عهد السعديين، ولا أن أطالب بإشبيلية لأن صومعة لاخيرلدا توجد هناك، وهي جزء من بناء لموحدين“.
وفي يوم 3 مارس 1976، فسر الملك الراحل الحسن الثاني في خطاب العرش، الأساس الذي بنيت عليه فكرة اقتسام الصحراء مع موريتانيا وقال في هذا الصدد:" لقد فاوضنا الدولة الإسبانية زمنا ما وسعتنا المفاوضة، وحاورناها ما تيسرت لنا سبيل المحاورة، فلما تعذر الوصول إلى الغاية المنشودة اجتمعت كلمتنا وكلمة شقيقتنا موريتانيا على الاحتكام إلى أسمى محكمة دولية، وجاء الحكم بعد الإحالة من لدن منظمة الأمم المتحدة مؤيدا لوجهة نظرنا ووجهة نظر شريكتنا في المطالبة، شقيقتنا الدولة الموريتانية."
في وثيقة استخباراتية أمريكية مؤرخة في منتصف أبريل 1976، نقرأ إخبارا للمسؤولين الأمريكيين بتوصل كل من المغرب وموريتانيا إلى اتفاق يقضي بتقاسمهم السيادة على الصحراء، حيث يتولى المغرب مسؤولية الثلثين الشماليين، بينما تحوز موريتانيا الثلث الجنوبي. الوثيقة تسجل بشكل فوري معارضة الجزائر للاتفاق واعتبارها غير قانوني.
في الأرشيف الرسمي للمغرب، نجد نص اتفاقية مؤرخة في 16 أبريل 1976 تتعلق بتخطيط الحدود البرية بين المغرب وموريتانيا. الظهير الملكي الذي يصادق على الاتفاق صدر في الجريدة الرسمية عدد 3311 مكرر. فيما يتحدث نص الاتفاقية على أن الحدود البرية بين البلدية يرسمها الخط المستقيم الذي يبدأ من نقطة التقاء الشاطئ الأطلسي مع خط العرض الشمالي 24، والذي يتجه إلى نقطة التقاء بين خط العرض الشمالي 23 وخط الطول الغربي 13، وإن التقاء هذا الخط المستقيم مع الحدود الحالية للجمهورية الإسلامية الموريتانية يشكل خط الحدود الجنوبية الشرقية للمملكة المغربية“.
إلى جانب هذه الاتفاقية، أبرم اتفاق تعاون اقتصادي ملحق بها، ينص على اشتراك البلدين في رأسمال شركة فوسبوكراع، التي تستغل الفوسفاط في الصحراء، على أن تحدد ترتيبات هذا الاشتراك باتفاق بين البلدين. ويضيف الاتفاق الاقتصادي أن البلدين اتفقا على تنسيق وسائلهما وطاقاتهما من أجل استكشاف الثروات الباطنية في الأقاليم الصحراوية المسترجعة قصد العمل على استغلالها بكيفية مشتركة، كما نص على بذل البلدين جهودهما من أجل تنمية تعاونهما في ميدان الصيد البحري وتمكين كل منهما من 
وثيقة استخباراتية أمريكية مؤرخة في يوم 4 مارس 1976، من ضمن الوثائق التي رفعت عنها السرية مؤخرا، تسجّل خلوّ خطاب العرش الذي ألقاه الملك الحسن الثاني من أي إشارة تضيء أكثر موضوع كيفية اقتسام الصحراء بين المغرب وموريتانيا، ما يعكِس الاهتمام الأمريكي والدولي الكبير بهذه النقطة.
يوم 21 نونبر 1976، أدلى الحسن الثاني بحديث إلى ممثلي نادي الصحافة بباريس على هامش زيارة رسمية، قال فيه:" إن المملكة العربية السعودية لا تقوم بدور الوساطة، لكن الأمير فهد يقوم بتعليمات من الملك خالد بمساع لتقصي الحقائق، ونحن نحبذ هذا المسعى، على أساس أن الطابع المغربي الموريتاني للصحراء لا رجعة فيه، ونحن نحبذ جميع المبادرات التي تسعى إلى المحافظة على مستقبل المنطقة، وعلى المسؤولين الموجودين فيها حتى لا يكون هناك غالب ولا مغلوب قد يعود بناء التعاون بين بلدان المغرب في المستقبل.  وشدد الملك على أن تقرير المصير قد تم بالنسبة إليه، انطلاقا من الوقت الذي جاءت فيه الجماعة لتقدم مراسم البيعة، وهذه الجماعة نفسها هي التي كانت أساسا قد وضعت بين يديها سيادة وتمثيل الصحراء لأنها هي التي كانت ستحول إليها السيادة والسلطات.
في اليوم الأخير من زيارته الرسمية إلى فرنسا، أي يوم 25 نونبر 1976، عقد الحسن الثاني ندوة صحافية بقصر تريانون بفرساي، أكد فيها أن مشاكل الأمن تواجه موريتانيا لأن حدودها مع الجزائر واسعة أكثر من حدودها مع المغرب، كما أن الوسائل التي تتوفر عليها موريتانيا قليلة وأقل فعالية وأقل عملية تقريبا مما يتوفر عليه المغرب، وقال رحمه الله:"  من الأكيد أن المغرب وموريتانيا عندما طالبا بالصحراء كانا من جهة على استعداد للدفاع عنها إلى النفس الأخير، ومن جهة كانت لهما حدود مشتركة، وهذا عنصر جاء ليمحو الافتراءات التي تدعي أننا لا نتوفر على حدود مشتركة، وهنا سنكون مضطرين إلى إقامة حدود مشتركة سواء كانت مقسمة أو من جهة التضامن، إلا أنه وفي جميع الأحوال قررنا إقامة الحدود بطريقة أو بأخرى".
كانت التسوية المغربية الموريتانية تبدو أرضية متينة لحل نهائي ممكن لنزاع الصحراء، يحفظ التوازن الإقليمي ويفتح أمام الصحراويين خيارات أكبر بين المغرب وموريتانيا. لكن الجزائر اعتبرت ذلك مسا بمصالحها الحيوية، باعتبارها تصبح خارج نظام إقليمي قوي ومرتبط بالعمق الإفريقي. توالت المناورات والهجمات في الشهور اللاحقة، وتوالت معها رسائل الاحتجاج الملكية الموجهة للرئيس الجزائري وللقادة العرب الذين حاولوا لعب دور الوساطة، خاصة بعد الانقلاب العسكري الذي هزّ موريتانيا في يوليوز 1979، والذي غيّر اتجاه البوصلة الموريتانية من المغرب نحو الجزائر.
خلال مؤتمر القمة العربية الذي عقد بالرباط سنة 1974، وأمام جميع رؤساء الدول الحاضرين أخذ الهواري بومدين رئيس الجمهورية الجزائرية الكلمة، وبعد شرحه للملابسات التي استطاعت تقسيم المغرب وموريتانيا، وذلك منذ 1958-1959، وبعدما شرح، كذلك، كيف توصل هؤلاء وأولئك إلى اتفاق، قال بومدين بأن الصحراء لا تهمه بتاتا وأن الأمر لا يعنيه، يقول الملك الراحل في ندوة صحافية يوم 11 نونبر 1977، مشددا على أن الرئيس الجزائري كان قد التزم بمساعدة المغرب وموريتانيا.
في الشهر نفسه، خص الحسن الثاني صحيفة "فرانس سوار" باستجواب قال فيه:" إن من الخطأ الاعتقاد بأن 70 ألف صحراوي يستطيعون تكوين بلد مستقل، وبالضبط في الجزء الصحراوي الذي يعود إلينا، حيث يوجد 30 ألفا من السكان في المدن، وهم سكان يتوجه أبناؤهم إلى المدارس، ولم يقولوا لنا أبدا نحن لا نريد أن نكون مغاربة…". وحين سأله الصحافي كيف أمكنه معرفة وجود 70 ألف صحراوي، قال الملك إن الاستفتاء الذي أجراه الإسبان قبل انسحابهم من الصحراء قال إن عدد السكان هو بالضبط 73 ألفا، ويمكن اعتبار 50 ألفا تقريبا اندمجوا سواء في المغرب أو في موريتانيا".
وفي ندوة صحافية أخرى، عقدها بمدينة مراكش في يناير 1978 بمناسبة زيارة وفد اقتصادي إسباني للمغرب، دافع الحسن الثاني بقوة عن اتفاقية مدريد وقال ردا على سؤال استفزه حول ما إذا كانت هذه الاتفاقية تنطوي على نقط ضعف وقال: "أستغرب من السؤال حين يكون بهذه الكيفية، ما هي قيمة اتفاقية مدريد؟ وأنا لا يمكنني أن أتساءل عن قيمة اتفاقية الجزيرة الخضراء؟ أعتقد شخصيا أن الاتفاقيات ليست لها قيمة في حد ذاتها، ولكن قيمة الموقعين عليها هي التي تضفي عليها حلة الحرمة وتعطيها طابعا من الجدية والاستمرار في تطبيقها".
وحين سأله صحافي حول كيفية تطبيق مبدأ تقرير المصير الذي نصت عليه الاتفاقية، رد الحسن الثاني: "أعتقد أن اتفاقية مدريد لا تحتوي على مثل هذا البند، بل قالت بأن الشعب الصحراوي قد اختار بواسطة جماعته، تلك الجماعة التي كانت إسبانيا ستسلم لها مقاليد الأمور، ففضلت تلك الجماعة الالتحاق بحظيرة وطنها دون أن تستقل بشؤونها كما كانت حكومة إسبانيا تريد ذلك".
في يوليوز من العام 1978، نفذ مجموعة من الضباط انقلابا على الرئيس الموريتاني المختار ولد داداه، في الوقت الذي كان هذا الأخير يشكل حليفا استراتيجيا للمغرب، ويستفيد في المقابل من دعم أكثر من 6 آلاف جندي مغربي يؤمنون النقط والمواقع الاستراتيجية في موريتانيا، في مواجهة هجمات البوليساريو.
بعد أيام قليلة من حدوث الانقلاب، خص الملك الحسن الثاني مجلة "باري ماتش" الفرنسية بحوار قال فيه إن وضعية القوات المغربية في موريتانيا جيدة، فبعد الانقلاب تم إشعار ضباطنا الذين يتحملون مسؤوليات هناك، لأنه كما تعلمون، فإن القوات المسلحة الملكية متمركزة في كل النقط من الزويرات إلى نواذيبو، كما أن علاقات الضباط الموريتانيين مع ضباطنا السامين وجنودنا لم تتغير، ولولا البيان الذي أذاعه الراديو لما علمت ثكناتنا الموجودة في عين المكان بالتغيير الذي حصل."
وعن موقفه في حالة ما إذا كانت الجزائر وراء الانقلاب، قال الملك: كان موقف المغرب سيكون موقفا بديهيا، وذلك لعدة أسباب، يرجع السبب الأول إلى طبيعة العلاقات الثنائية بين البلدين، وخاصة ما يربط المغرب بموريتانيا من معاهدات للدفاع المشترك، وفي هذا الصدد كان المغرب سيتحمل مسؤولياته حتى نهاية المطاف، أما السبب الثاني، فيكمن في تصريحاتي وتعهدي بأن المغاربة أمواتا وأحياء سيضحون بأنفسهم إلى آخر رمق كي لا يكون بينهم وبين إفريقيا نظام غير متعاون ولا يسير في نفس الاتجاه الذي يسلكه المغرب“.
ما خشيه المغرب حصل بالفعل، وتبديدا لأي شك حول الجهة التي تقف وراءه، فإن الاتفاق بين موريتانيا والبوليساريو وقع في العاصمة الجزائرية، وفدان يمثلان الطرفين، اجتمعا رسميا بين 3 و5 غشت 1979، ووقّعا على وثيقة تلتزم بموجبها موريتانيا بالانسحاب من الصحراء وتسليم الجزء الخاضع لسيطرتها لجبهة البوليساريو، وذلك بعد سبعة أشهر من توقيع الاتفاق، أي أن وادي الذهب كان سيصبح تراب دولة البوليساريو ويمنحها فرصة الوجود المادي لأول مرة.
بعد نحو أسبوعين من توقيع الاتفاق، قال الملك في خطابه بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، إنه سمع من جانب مسؤولين موريتانيين أن بلادهم مازالت متشبثة بعهودها ومعاهداتها بالنسبة إلى المغرب. " أقول لك شعبي العزيز إن المسؤولين الموريتانيين لا ينوون تقديم رجل أو تأخير أخرى إلا باستشارة وتنسيق تام مع المغرب. إذن، من هذه الناحية، شعبي العزيز عليك أن تطمئن، ولكن علينا ألا نقف أمام هذا، علينا أن نسير شيئا ما بتفكيرنا ومنطقنا، ما هو واقع في المغرب ليس هو ما يقع في موريتانيا، فهي لها مشاكلها بالنسبة إلى الصحراء التي استرجعتها، وبالنسبة للمعارضين الذين دخلوا في صفوف البوليساريو، نحن بالنسبة للمغرب ليست لنا هذه المشكلة، فعلينا إذن، إذا اختارت موريتانيا طريقا من الطرق أن نكون بجانبها، شريطة ألا يكون حل مشاكلها يمس بنقطة من النقطتين التاليتين:
ألا يمس بشبر واحد من الأرض المغربية، وألا يجعل حدودا أجنبية بين المغرب وموريتانيا.
إنني أقول لإخواني في موريتانيا: إياكم ثم إياكم أن تنطلي عليكم الحيلة، فالذين يتوددون الآن لكم، هم الذين خلقوا ومولوا ودربوا وسلحوا من كانوا بالأمس يقتلون أولادكم وأبناءكم ولا يحترمون أعراضكم".
في شهر شتنبر الموالي، خص الملك مجلة "الوطن العربي" بحديث قال إن الأحداث التي وقعت في موريتانيا، والتي نتج عنها انقلاب يوليوز، هي أحداث لها أسباب داخلية محضة، ذلك أن موريتانيا بعدما استقلت لم تأخذ لنفسها مهلة للتدبر والتحليل، بل هي كعدد من الدول اعتقدت أن من الصالح لها أن تختار في ذلك الحين طريقة وإيديولوجية وميثودولوجية وأساليب للحكم لخلق نظام سياسي–اجتماعي". وأضاف الملك أن موريتانيا اختارت بعدما استقلت التيار العقائدي اليساري، وربما لو كانت الأوضاع والعلاقات السياسية بين موريتانيا والمغرب علاقات عادية لما ارتمت موريتانيا في أحضان ما سمّته الاشتراكية إذ ذاك، ولوجدت في جوار المغرب من الأمثلة ومن النصح ومن الإعانة ما يجعلها تسير في طريق وسط بدون مجازفة…".
وارتباطا بملف الصحراء، قال الملك:" إن المغرب كان دائما يطالب بصحرائه منذ الاستقلال، والحجج والدلائل تدل بدون جدال على أن الصحراء كانت دائما مغربية، ولكن الجزائر لم ترد للمغرب أن تكون له حدود مشتركة مع إفريقيا. لا أقول مع موريتانيا، ولكن مع إفريقيا. الجزائر التي اعتادت أن ترى المغرب مطوقا، إما بينها وبين البحر، وإما بين الصحراء وبين البحر، لم تكن لترضى أن ترى المغرب يشرئب شمالا إلى أوروبا بواسطة إسبانيا ويتصالح مع إسبانيا… ولم ترد أن ترى المغرب يضرب جذوره في جنوبه في إفريقيا الأصلية، لذا حاولت أن تضرب بحجر واحد عصفورين".
وذكّر الملك الراحل بالاتفاق الذي جمعه بالرئيس المختار ولد داده، وكيف أصبحا يعتبران أن مشكلة الصحراء لن تفرقنا، بل ستكون جامعة للشمل، والخطأ الكبير الذي ارتكبه المخططون الجزائريون هو أنهم جعلوا من أركان سياستهم الظن بأن الاتفاق بين المغرب وموريتانيا مستحيل. لكن المستحيل تحقق وبعد المسيرة الخضراء واسترجاع الصحراء، وقع ما وقع من الأحداث ووجدت موريتانيا نفسها أمام وضع لم تخطط له".
هذا الحديث الدبلوماسي كانت الجزائر ترد عليه بمزيد من السلاح والضربات الموجهة ضد الجيش المغربي في الصحراء، فيما حرص الملك بشكل دائم على تجنب الانتقال إلى حرب مباشرة بين المغرب وبين الجزائر. ففي 2 أكتوبر 1978، وجه الملك الحسن الثاني رسالة إلى الرئيس الجزائري هواري بومدين تقول: "أتصل بكم اليوم لأحتج بشدة لدى فخامتكم في موضوع الاعتداء الذي وقع على بلادي ما بين 30 شتنبر وفاتح أكتوبر 1978… وإنني لن أخفي عليكم شعور الاستغراب والاندهاش الذي يخامرني، ذلك أن العمل الذي قامت به القوات المسلحة الجزائرية لا يستجيب للتعقل ولا للمنطق… قد ذهب عدد من الموتى والجرحى ضحية الجهل المقصود بعقد ثابت الصحة دوليا، فماذا تريدون بالضبط سيدي الرئيس؟ وماذا تريد الجزائر إذن؟"

سؤال ردّ عليه بومدين حينها بمزيد من الهروب إلى الأمام، فيما يورد تقرير مفصل للمخابرات الأمريكية يحمل تاريخ 23 مارس 1979، أن الحرب تدور في مصلحة جبهة البوليساريو، وأن التطورات المسجلة حينها تفيد بأن المغرب لن يحتفظ طويلا بسيطرته على الصحراء، مع استمرار تدفق الأسلحة الجزائرية في يد الميليشيا الانفصالية. والمتاعب المغربية تضاعفت مع إعلان موريتانيا انسحابها من النزاع، فاسحة بذلك للميلشيا بتركيز هجومها على القوات المغربية داخل المنطقة التي تديرها المملكة من المنطقة المتنازع عليها".
ويضيف التقرير أن ما بين 3 آلاف و5 آلاف مقاتل في صفوف البوليساريو، لا يستطيعون دحر القوات المغربية خارج الصحراء، لكنهم قادرون على جعل ثمن هذا البقاء باهظا بالنسبة إلى المغرب. ورجّح التقرير الأمريكي أن تتصاعد المعارضة داخل المغرب ضد الحرب في الصحراء، مما سيضعف موقف الحسن الثاني التفاوضي، مضيفا أن اتفاق المغرب وموريتانيا على اقتسام الصحراء لم يحصل على اعترافات دولية كثيرة.
بين تاريخ الانقلاب في موريتانيا ومسارعة الجيش المغربي إلى فقرض سيطرته على منطقة "تيرس الغربية" وبين لحظة قدوم شيوخ وأعيان الإقليم لتقديم بيعتهم في غشت 1979، واصل الحسن الثاني مرافعاته الدينية والتاريخية والدبلوماسية لتأصيل ما يقدم عليه من خطوات. ففي مساء يوم 2 غشت 1979، وفي افتتاح درس حسني رمضاني، ألقى الملك الحسن الثاني خطابا مطولا حول التطورات الحاصلة في إقليم وادي الذهب والعلاقات مع موريتانيا قال فيه: «إننا صرحنا مرارا ومازلنا نصرح، بأن موريتانيا دولة ذات سيادة، فلها أن تشرع كما تريد من الناحية الداخلية في حدود بلدها الدولية المعترف بها اليوم والمتعامل بها اليوم، لكن هناك نظرية تجعل الاتفاقيات الثنائية أو متعددة الأطراف ذات الصبغة الدولية تلزم الموقع عليها أكثر مما يلزمه القانون الداخلي، وبعبارة أوضح، لا يمكن لموريتانيا أن تتخذ، كما لا يمكن للمغرب أن يتخذ، تشريعا داخليا يجعل أو يتجاهل ما بين الدولتين من اتفاقات دولية… فإذا قامت موريتانيا بعمل مثل هذا، فسوف يكون على المغرب إذاك أن يتحمل مسؤوليته، ولا أقول مسؤولياته، أي المسؤولية الوحيدة الضرورية الواجبة، وهي مسؤولية الدفاع عن البقاء… وحين يقول بعض المسؤولين الموريتانيين إنهم سوف يسلمون ما لديهم من الإدارة فإنهم نسوا أو تناسوا أنهم نظموا انتخابات محلية ووطنية في بلدهم، نسوا أو تناسوا أنهم أبرموا اتفاقيات مع دول مختلفة للصيد البحري على شواطئهم من الداخلة إلى نهاية جنوب موريتانيا".
في تقرير مطول حول تداعيات الانسحاب الموريتاني من نزاع الصحراء، تقول المخابرات المركزية الأمريكية إن الجيش المغربي سيطر على الإقليم الذي كان تحت السيطرة الموريتانية في غشت 1979 وذلك بشكل أحادي، خطوة جاءت، حسب الوثيقة نفسها، مباشرة بعد إقدام السلطات الموريتانية الجديدة على التنازل عن هذا الإقليم لصالح البوليساريو. وبعد تذكيرها بالتصويت المضاد للمغرب في قمة منظمة الوحدة الإفريقية التي انعقدت في يوليوز من السنة نفسها، تقول الوثيقة إن الصراع بات أكثر من أي وقت مضى، مواجهة مباشرة بين المغرب والجزائر.
وبعد استقباله وفود الأعيان الصحراويين المنحدرين من وادي الذهب وتلقيه بيعتهم، عقد الملك يوم 19 غشت 1979، ندوة صحافية بقصر فاس حضره نحو 200 صحافي من المغرب ومن الخارج قال فيها إن من المهم معرفة أن محكمة العدل الدولية قالت بان هذه الأرض لم تكن أرضا خلاء، ولهذا فإن ما يمكن تسميته باتفاق الجزائر لم يكن في الواقع سوى بطاقة تافهة وقعت في لحظة عابرة. فلقد جعل من وادي الذهب أرضا خلاء من الناحية القانونية، لأنه أراد تسليم أرض إلى جهة لا وجود لها وعي البوليساريو، ولهذا توجهنا إلى الداخلة عندما استقبل المغرب سكان الداخلة، فإنه في الواقع دافع عن المشروعية، وعن قرار محكمة العدل الدولية".
وردا على سؤال يقول إن المغرب أعطى موريتانيا، حسب اتفاقية مدريد، جزءا من الصحراء، قال الحسن الثاني إن هذا الأمر لا تتضمنه اتفاقية مدريد، في الحقيقة لو لم يتفق المغرب مع موريتانيا، لوضع السؤال أو السؤالين على محكمة العدل، لكانت المعارضة الإفريقية وبعض الدول الأوروبية والعالمية ستمنع إلقاء السؤالين أمام المحكمة… إذن، الاتفاقية بين المغرب وموريتانيا حول الصحراء مرحلة ضرورية، وقد ظهر الآن أنها مسألة حادثة وليست قارة".

 



تعليقات الزوّار

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي سكوبريس

اترك تعليقا

إقرأ أيضا