كلميم / اختلالات في التسيير وغياب الرؤية الثاقبة يعمق الأزمة ويكرس ارتفاع نسبة البطالة في الجهة

كلميم / اختلالات في التسيير وغياب الرؤية الثاقبة يعمق الأزمة ويكرس ارتفاع نسبة البطالة في الجهة
سعيد فغراوي- صحافي متدرب 06 أغسطس 2025

 في وقت أعلنت فيه المندوبية السامية للتخطيط عن بلوغ معدل البطالة في الجهات الجنوبية الثلاث نسبة 12.7 في المائة، رغم ان هذه النسبة لا تمثل النسبة الحقيقية في الواقع، تتجلى بشكل أكثر وضوحا ملامح أزمة تنموية حادة، لا تعكسها فقط هذه الأرقام الصادمة، بل تبرزها الهشاشة الشاملة في تدبير الشأن المحلي، لا سيما بجهة كلميم وادنون وجماعاتها الترابية. فرغم دلالة الرقم في حد ذاته، إلا أنه لا يعبّر كليا عن عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، بقدر ما يسلط الضوء على فشل السياسات التنموية المتبعة، وضعف الأداء السياسي، وافتقار ممثلي الساكنة إلى الرؤية الثاقبة واستشراف المستقبل بحسابات مدروسة، في غياب التواصل الفعال مع المواطنين.
وعلى الرغم من التحديات الماثلة، لا تزال الخطابات الرسمية لرئيسة جهة كلميم وادنون تتجه نحو تقديم رؤى مستقبلية ومشاريع بعيدة المدى، دون أدنى التفاتة لمشاكل آنية تتطلب حلولا عاجلة، وعلى رأسها البطالة المستشرية وانهيار البنية الاقتصادية المحلية، ففي الوقت الذي ينتظر فيه شباب الجهة مبادرات ملموسة وخططا واقعية تفتح أمامهم أبواب الأمل، يقابلون بتصريحات عمومية حافلة بالأرقام الاستباقية والوعود الكبرى، في حين يضطر بعضهم إلى ركوب أمواج المجهول في قوارب الموت هربا من واقع يزداد بؤسا يوما بعد آخر.
المفارقة الصارخة تكمن في الانفصال التام بين المسؤول الجهوي والمواطن، إذ يتحدث العديد من الفاعلين المحليين عن غياب مستمر للرئيسة عن الجهة، باستثناء حضورها خلال الدورات الرسمية والمناسبات البروتوكولية، فضلا عما يصفه البعض بسلوك الإقصاء الممنهج تجاه المقاولات المحلية والفاعلين الإعلاميين المستقلين. إذ يتم تفضيل منابر إعلامية من خارج الجهة، مقابل تهميش الإعلام المحلي وحرمانه من الدعم والمواكبة، في سياسة لا تخدم سوى تعزيز التبعية الخارجية وتهميش كفاءات الجهة، والتي تحمل شواهد عليا من أعرق الجامعة الوطنية والعربية والدولية، هذه المقاربة لا تسهم فقط في تكريس التهميش المحلي، بل تشكل دعما غير مباشر لاقتصاديات جهات أخرى، على حساب شباب المنطقة.
وتتفاقم هذه الوضعية المتأزمة مع ما كشفته أرقام ميزانية الجهة لسنة 2024 من نفقات التسيير تبدو بالعين المجردة انها مبالغا فيها، وغير متناسبة مع الأولويات التنموية للجهة. ففصول نفقات التسيير، على سبيل المثال لا الحصر، تكررت بشكل مثير للجدل، مصاريف الإطعام والاستقبال التي صرفت من اجلها مبالغ ضخمة، تنوعت بين كراء عتاد الحفلات، شراء التحف الفنية والهدايا والإقامة والاطعام، حيث تجاوزت مجمل هذه النفقات ملايين الدراهم، دون تقديم مبررات مقنعة للرأي العام، ودون ان تترك أثارا ملموسة على أرض الواقع. وفي ظل هذا الوضع، انبرت المعارضة على قلة عدد افرادها الى اتهام المجلس الجهوي بتبذير المال العام وسوء التسيير، مطالبة بالتحقيق في جدوى هذه المصاريف وأثرها التنموي.
ومن بين المشاريع التي فجرت الجدل، مشروع بناء ملعب رياضي بإقليم كلميم، بطاقة استيعابية تبلغ 10 آلاف متفرج وبكلفة مالية تقارب 25 مليار سنتيم، رغم توقيع اتفاقية سابقة لبناء ملعب بضعف السعة المذكورة (20 ألف متفرج) وبتكلفة أقل بكثير لا تتجاوز 15 مليار سنتيم. وهذا نموذج من المشاريع التي توصف بكونها غير ذات أولوية، يطرح معه السؤال حول ترتيب الأولويات في الجهة، ومدى احترام معايير النجاعة الاقتصادية في التخطيط.
أما على مستوى جماعة كلميم، فالوضع أكثر قتامة، إذ تعيش الجماعة الترابية حالة شلل مالي تام منذ أربع سنوات، بسبب تراكم الديون والأحكام القضائية، وهو ما أدى إلى قرار عاملي يقضي بتسييرها بميزانية "صفر درهم"، باستثناء بعض النفقات الإجبارية التي تغطيها تدخلات محدودة، والنتيجة هي جماعة عاجزة تماما عن تقديم الخدمات الأساسية، وفاقدة لأي قدرة على تلبية احتياجات الساكنة، في ظل تهديد دائم بالحجز على ممتلكاتها وآلياتها.
ولا يختلف الوضع كثيرا في باقي جماعات الإقليم، التي تعاني من مشاكل هيكلية متراكمة تتعلق أساسا بندرة الموارد المالية والتقنية، وضعف البنية التحتية، وغياب الخدمات الأساسية في العديد من المناطق، لاسيما في الجماعات القروية النائية منها، ويزيد من تعقيد الوضع غياب الكفاءات الإدارية والتقنية داخل اهذه المرافق، واستمرار التفاوت الكبير في مستويات التنمية بينها، إضافة إلى مشاكل بيئية مزمنة كالتصحر، والرعي الجائر، وتدهور الغطاء النباتي، وحرائق الواحات، في ظل توالي سنوات الجفاف.
ويجمع الفاعلون المحليون على أن "البلوكاج السياسي" داخل العديد من الجماعات الترابية، سواء بسبب النزاعات القبلية أو غياب التجربة لدى بعض الرؤساء المنتخبين، او لمطامع شخصية كان له دور كبير في تعميق الأزمة، هذا الجمود السياسي، كما يوصف، حرم الإقليم من استغلال الإمكانات المتاحة، المؤهلات الطبيعية المتوفرة، وحول المجالس المنتخبة الى هياكل دون روح وبلا أثر فعلي في حياة المواطنين.
من جانب آخر، لم يسلم المجلس الإقليمي بدوره من الانتقادات، إذ يواجه اتهامات بالعجز عن تدبير ملفات اجتماعية بسيطة، من قبيل النقل المدرسي أو سيارات نقل الأموات، حيث ما تزال بعض الجماعات تلجأ إلى وسائل بدائية ومهينة في نقل الجثامين، في ظل غياب الحد الأدنى من الخدمات الاجتماعية.
وفي ظل أوضاع تعليمية وصحية متردية، يزداد شعور المواطنين بالعزلة والتهميش وغياب أفق لتحسين أوضاعهم المعيشية، خاصة مع استمرار الركود الاقتصادي وغياب فرص الشغل الحقيقية.
وبناء على ما سبق، فإن نسبة 12.7 في المائة من البطالة المعلنة لا تعكس، بحسب المهتمين بالشأن المحلي، الحجم الحقيقي للأزمة، بل ربما تخفي واقعا أكثر سوداوية، يعاني فيه آلاف الشباب من الإقصاء الاجتماعي وغياب أي أفق اقتصادي واضح.
وفي ظل هذا الوضع المتأزم، يتزايد الحديث عن ضرورة إحداث قطيعة مع السياسات المعتمدة، وفسح المجال أمام نخب جديدة تتمتع بالكفاءة والرؤية، قادرة على إخراج الجهة من حلقة الجمود. كما يطرح بإلحاح مطلب المراجعة الجذرية لنمط الحكامة المالية، وتوجيه الموارد نحو مشاريع ذات أثر اجتماعي مباشر، بدل الاستمرار في مسارات استنزاف المال العام على أنشطة شكلية لا تسمن ولا تغني من جوع.
الخلاصة أن جهة كلميم وادنون، بكل إمكاناتها الجغرافية والبشرية ومؤهلاتها الطبيعية، لا تعاني من فقر الموارد بقد ما تعاني من فقر الإرادة، وغياب رؤية تنموية صادقة، مما يستدعي وقفة حقيقية للمساءلة والمحاسبة والتصحيح. ولولا وجود سلطة ترابية تتبع الوضع عن كثب، تتدارك المواقف في غالب الأحيان، وتراقب سير اعمال المجالس المنتخبة، وتفرمل الطموحات النرجسية لبعض المنتخبين الذين اعتادوا الرضاعة من ضرع البقرة الحلوب " ميزانيات الجماعات الترابية" لكان الوضع أكثر كارثية.

 



تعليقات الزوّار

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي سكوبريس

اترك تعليقا

إقرأ أيضا