ضاية سيدي مسعود

تعتبر ضاية سيدي مسعود إحدى الفضاءات البيئية الطبيعية التي تزخر بها جماعة عين الشق، وتشكل إلى جانب ضريح سيدي مسعود وحدة جمالية منسجمة وموحدة.فالزائر للضريح في الماضي، لم يكن له بُدٌّ من إلقاء نظرة على تلك الضاية التي حبا الله بها ساكنة منطقة أولاد حدو. وتمتيع عينه بخضرة المكان والأشجار الملتفة حول حفرة الضاية.
إنها الآن تقبع أسيرة وسط محيط أسوار صفراء يعلوها سياج حديدي، تلتف حولها في منطقة سيدي مسعود وبالتحديد عند يسار نهاية شارع مكة وأنت متوجه نحو مدارة قنطرة الطريق السيار المؤدي لسيدي معروف، لا يكاد المرء فينا إلا أن يلحظ تلك الحديقة الواقعة في منحدر، والمزينة بجَمْعٍ أشجار أحاطت بها من كل النواحي لتقوم بشبه تضليل للزائر حتى لا يكتشف مخبأها لكن الراسخون من ساكنة عين الشق لا يمكنهم نسيانها ولا إنكار وجودها كما هو مقصود الآن.
فتاريخ مدينة الدار البيضاء وإلى حدود سنة 1970كان يشهد لها بالوجود وفرض الذات إلى جانب الطريق الرئيسية رقم 11المؤدية إلى مدينة مراكش. عندها كانت المنطقة بصفة عامة شبه فارغة من المباني، اللهم ذلك التجمع الصغير الذي كان يتحلق حول ضريح سيدي مسعود. فالأرض كانت حينذاك مستوية كما أن مياه الضاية كانت بادية للعيان وتستمر في التمدد كلما كان الموسم مطيرا ولعل الشاهد منا عن تلك الحقبة كان يسجل عن كتب كيف كانت مياه الضاية تتوسع في الانتشار على حساب الأراضي المحيطة بها.
عديدة هي مغامراتنا التي كنا نقوم بها إلى المنطقة ونحن أبناء عين الشق لا زلنا صغار في العمر، نتفق فيما بيننا وننظم رحلة على الأرجل لاكتشاف محيط سيدي مسعود عبر اختراق أراضي ولاد حدو الفاصلة بين عين الشق والضاية. حينها لم تكن هناك تجمعات سكنية، بقدر ما كانت هناك حطّات لبعض الفلاحين متباعدة الاستيطان فيما بينها، كما سادت المنطقة مروج وحقول زراعية وقطعان من الأبقار والخرفان وهي ترعى وسط هذه الفضاءات الخضراء الزاهية.
زيارتنا للضاية كانت تتكرر كلما حل فصل الربيع، وكثرت زيارات العائلات من عين الشق ودرب السلطان لسيدي مسعود يومي السبت وخصوصا الأحد، حيث يعقد السوق الأسبوعي لأولاد حدو، غير أن اهتمامنا نحن الأطفال لم يكن ليجد ضالة متعته إلاّ في الاستجمام أمام الضاية ومحاولة اصطياد بعض الأسماك وأذكر أنه لم يكن مسموحا لنا السباحة فيها لخطورة المكان وكثرة الطمي في جنباتها؛ الشيء الذي كان يهدد حياة كل من حاول ذلك، ولعل حكايات من ماتوا فيها جعلتنا نحتاط أكثر من اللازم في فعل شيء من هذا القبيل.
عديدة هي الهوايات التي كنا نزاولها طيلة مقامنا بين ضلال الأشجار الوارفة لضاية سيدي مسعود من: صيد للأسماك، وصيد للعصافير، عن طريق نصب الشباك، أو مطاردة الفراشات في الحقول، أو جمع باقات من الأزهار ننقلها معنا عند عودتنا إلى بيوتنا هدية لوالدينا.
وطبقا لما أنا شاهد عليه أذكر أن أحد شباب بلوك 13 (رضا ولد بالمختار) الذي كان يسكن قرب صيدلية المصلى كان صيادا مختصا في صيد أسماك ضاية سيدي مسعود وكان يحملها معه إلى الدرب لكي يبيعها لمن أراد ذلك، وقد داوم على ذلك حتى أشتهر بنشاطه ذاك بين السكان.
واقع الضاية في تاريخنا هذا مؤسف للغاية، بحيث أنها طُمِرَتْ وسط حديقة وسُيِّجَت حدودها ومنع الاقتراب منها. كما تم تجهيزها بمضخات كبيرة لامتصاص فيض مائها، حتى يزول خطر انسيابها وانتشارها بين سكان الفيلات المحاذية لها عن اليمين.
وجودها كعدمه وحضورها كغيابه طالما أن معالمها حُرِفَتْ ولم تعد طبيعية. والأجدر أنها كانت ستعطي لمدخل مدينة الدار البيضاء الجنوب الشرقي، طابعا جماليا خاصا؛ لو أنها وظفت كنافورة كبيرة تحيّي زوار المدينة بمياهها المتعالية في السماء كما هو في الخليج العربي، وتم تزويدها بالإنارة الملونة ليلا.
لكن ثقافة الإسمنت لغة العصر هاجمت الطبيعة في معقلها، وغزت منجزاتها العيون والسواقي والوديان، غير أن الغلبة ستكون للطبيعة لأن قانون الطبيعة أزلي لا يتغير ولا تغيره القوانين ولا المال ولا الجاه.
تعليقات الزوّار
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي سكوبريس