من ذاكرة الدار البيضاء / سينما الكواكب

من ذاكرة الدار البيضاء / سينما الكواكب
بقلم ذ/ حسن الوافي 10 ديسمبر 2022

قرب هذه القاعة السينمائية من حي عين الشق، جعلها ثاني قبلة لعشاق الفن السابع بعد سينما الصحراء؛ السينما الأم لحينا والتي حظيت بأكبر نسبة مشاهدة. لكن وبحثا منا لتغيير أماكن وفضاءات الفُرْجَةِ، اعتدنا ان نغير وجهة برنامجنا الأسبوعي للتفرج على أحدث الأفلام السينمائية بعيدا عن مركز الحي، وبالطبع لم تكن قبلتنا سوى سينما الكواكب المتواجدة على واجهة شارع الفداء بعمالة مرس السلطان، المجاورة لجماعة عين الشق نظرا لشعبيتها ورخص ثمن تذاكرها الذي لم يكن يتجاوز ثلاث دراهم.
عشقنا الحار والمتيم لأفلام الحركةfilms d' action، جعلنا نتقفى أثر كل فيلم يتم إشهاره لنا عبر تلك العربة المجرورة التي ذأب أصحاب القاعات السينمائية على نشرها عبر أرجاء الشوارع المتاخمة، لتقريب المشاهد من العروض وجدبه إليها قدر المستطاع. ولم يكن ذلك غريبا عنا إذ ونحن في حمأة شبابنا وفورة قوة عضلاتنا لم يكن لنا خيار سوى تتبع أفلام المبارزات الجسدية كما تمثله أفلام الكارتييه أو أفلام العصابات الإيطالية، التي تلجأ إلى استخدام أدوات التصفية كأبرز سلاح لمحاربة الخيانة والظلم. وهكذا وبعد قضائنا لزهاء ساعة ونصف في مشاهدة هذا النوع من الأفلام المتمركزة على إظهار كل جوانب القوة البدنية، وبعد أن يصيبنا العياء من كثرة تأثرنا بمجريات أحداث الفيلم، وفرط تعصبنا من انهزام البطل وتعرضه لسيل الضربات. تأتي فترة الاستراحة بين الفيلمينentracte، لنغتنم الفرصة لشراء قليل من (الزريعة) لتلهية الوقت وهو الوقت الذي كانت الشاشة تستغله لتقدم للمتفرجين وصلات إخبارية عن الأنشطة الرسمية للبلاد وما تتضمنه من تدشينات لمشاريع وطنية كان جانب الرتابة والملل هو الطاغي فيها، لتستأنف الفرجة من جديد بعرض الفيلم التأني، وعادة ما كان فيلما هنديا رومانسيا مليئا بحركات الرقص والغناء العاطفي، الذي ينصب على مخاطبة ودغدغة المشاعر الحساسة للمتفرجين، حتى أن الكثير منهم كان ينغمس بدون وعي في موجة بكاء، عادة ما كان الواحد منا يجاهد نفسه بكبرياء حتى لا يراه أصدقاء وهو في ذلك الوضع الحساس، المندمج مع سير القصة وتقفي آثارها على المشاهد، وهو هائم منصهر في بوتقة عقدة الفيلم.
هكذا إذن؛ كانت الأفلام الهندية تخاطب مواطن المشاعر الحساسة فينا لتُهَيِّجَها، وتجعلنا لعبة في أيديها، تفعل فيها ما تشاء، ونحن ضعاف المشاعر نتأثر لأبسط المشاهد الإنسانية وفي الجهة المقابلة تقدم لنا أفلام الكارتيه موجة تانية من التيار المعاكس للتساكن والاستسلام، لنكتشف أننا نتفاعل ونشارك البطل في مبارزاته القوية، تارة نركل بأرجلنا، ومرة نلوح بأيدينا لدفع الضربات عن البطل، ودون شعور منا نبدل مجهودا عصبيا تخور معه قوانا، لنجد أنفسنا عند نهاية المشاهدة السينمائية بعد خروجنا من قاعة سينما الكواكب، مصابين بعياء وتعب نفسي جراء التأثير والتأثر، لكن وما هي إلا بعض الدقائق حتى يصفعنا برد نسيم هواء شارع الفداء!!! لنستعيد وعينا ويبطل فينا وقع تخدير الفيلمين المعروضين، فنسرع الخطى عبر شارع 2مارس لنصل إلى بيوتنا سالمين من فخاخ تلك المعارك التي سقطنا في براثنها دون سابق إنذار. 

 



تعليقات الزوّار

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي سكوبريس

اترك تعليقا

إقرأ أيضا