شخصات مغربية فاعلة / جرمان عياش؛ المؤرخ المغربي اليهودي المناضل

يعتبر جرمان عياش من الرعيل الاول الذي درس مادة التاريخ في الجامعة المغربية، رغم أن التاريخ لم يكن يثير اهتمامه في البداية، بل صنعته الصدفة .
ولد جرمان عياش بمدينة السعيدية سنة 1915 من أسرة مغربية يهودية، من قبيلة آيت عياش في حوض ملوية، وبدأ مسار دراسته باللغة الفرنسية وتعلم اللغة العربية بإصرار وعصامية.
كان عياش إنسان البحر الابيض المتوسط بامتياز لأنه كان يحمل إرث الضفة الجنوبية وإرث الضفة الشمالية، فلكونه يهوديا كان يحمل التراث العبري ، ولكونه مغربيا كان يحمل الثقافة العربية وما امتزج بها من التقاليد " الامازيغية "
بدأ مساره المهني مدرسا بثانوية " ليوطي " محمد الخامس حاليا وتوقف هذا المسار بفصل تعسفي من قبل السلطات الاستعمارية الفرنسية ؛ لا لشيءإلا لكون أصوله يهودية
وآثر نضالاته السياسية في صفوف الحزب الشيوعي المغربي ثم نفيه الى فرنسا
بعد عودة جرمان عياش إلى المغرب سنة 1956 عين بكلية الاداب والعلوم اانسانية بالرباط حيث ساهم في إعطاء نفس جديد " للإسطوغرافية المغربية "، وكان له فضل كبير في تكوين جيل من المؤرخين
أسهم بمعية زملاء له، في تعريب شعبة التاريخ، في سياق آطار عام كان يرمي الى تعريب العلوم الانسانية بالجامعة المغربية.
ونظرا لإيمانه بالافكار الشيوعية فقد كان يلح على طلابه قراءة كتاب " رأس المال " لكارل ماركس، وكتاب " أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة " لفريديرك انجلز .
شارك عياش في الحرب العالمية الثانية ضد النازية، وبعد عودته الى المغرب مرة أخرى استأنف نشاطه السياسي في صفوف الحزب الشيوعي المغربي الذي تأسس سنة 1943 حيث أصبح عضوا في لجنته المركزية، وزاوج في نضاله بين العمل الميداني وتجنيد قلمه.
كان لجرمان عياش أيضا موقف من الصهيونية وكثيرا ما كان يؤكد بأنه يهودي، وليس صهيوني، ويلح على أن " الصهيونية لاصلة لها بالملة اليهودية الحق، فالصهيونية من الاعيب الاستعمار ومحكوم عليها بالزوال إذا زالت اسباب الاستعمار من الجذور "
كلف في نهاية الخمسينات وبداية الستينات من طرف عبد الوهاب بنمنصور بترتيب جانب من الوثائق المخزنية بالخزانة الملكية؛ كما قام بالدور نفسه في الخزانة العامة بالرباط، فكانت دافعا له للاهتمام بالبحث التاريخي عامة والمغربي تخصيصا، حيث ظهرت قدرته على البحث والتوثيق والعمل بناء على الوثائق، ويعتبر مقاله الصادر سنة 1958 ب revue historique تحت عنوان: " مظاهر الازمة المالية في المغرب إثر الهجوم الاسباني سنة 1860 " أول بحث علمي ينتجه بصفته مؤرخا محترفا أسسه على وثائق بليماني بوعشرين.
وبحكم تصنيفه للوثائق المخزنية واطلاعه على خباياها، أولاها أهمية بالغة في توجهه البحثي .ورأى أن من شأنها تجاوز الاسطوغرافيا الاستعمارية وهدمها وكان يعتبر هذا التوجه مساهمة في تحرير المغرب من رواسب الاستعمار .
تولى آدارة مجلة " هيسبريس _تامودا منذ 1963 حتى تاريخ وفاته سنة 1990 " فهي من المجلات القلائل التي كتب لها الاستمرار منذ تاسيسها سنة 1921 إلى اليوم "
رافق عياش هم معرفي طوال عقود مؤداه التنقيب عن جذور الدولة المغربية الحديثة باعتبارها دولة عريقة ودولة مستمرة وليس كما أراد المستعمر تصويرها بأنها لم تكن تحكم إلا مجالا محدودا، وان بلاد " السيبة " هي التي كانت طاغية، فسعى انطلاقا من مجموعة من الوقائع التاريخية المستندة إلى الوثائق الى إثبات " أن هيكلة الدولة المغربية قبل انتصار الاستعمار كانت مبنية على انصهار تام بين "النظام المركزي "، ونظام التسيير الذاتي السائد بالقبائل والجهات المبني على العرف".
كما كان يود معرفة " الاسباب السياسية و الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية التي أضعفت الكيان المغربي لتجعله لقمة سائغة في حلق الاستعمار ".
اهتم جرمان عياش ايضا بالوطنية والشعور الوطني وبحث في موضوع الاقليات وخاصة الاقلية المغربية اليهودية، و اهتم خصوصا بالمجتمع الريفي وحرب الريف ولم تكن غايته من أطروحته حول الريف تبيان زعامة محمد عبد الكريم الخطابي، بل إظهار " الفكرة الماركسية القائلة بأن التاريخ ليس من صنع الاشخاص، بل هم أنفسهم من صنع المجتمع وتصنعهم الظروف المتشابكة "
تعليقات الزوّار
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي سكوبريس