غياب مظاهر الفرح في رأس السنة الهجرية : بين تراجع الرمزية وتحديات الواقع المغربي

غياب مظاهر الفرح في رأس السنة الهجرية : بين تراجع الرمزية وتحديات الواقع المغربي
سعيج فغراوي 27 يونيو 2025

    رغم ما تحمله رأس السنة الهجرية من رمزية دينية وتاريخية قوية في الوجدان الإسلامي ، إلا أن المدن المغربية بدت هذا العام خالية تقريبًا من مظاهر الفرح أو أي احتفال جماعي يُذكر. لا أضواء ، لا فعاليات ، ولا حتى تفاعل واسع على وسائل الإعلام أو في الشوارع. هذا الغياب يطرح أكثر من سؤال حول التحولات الاجتماعية والثقافية التي يعرفها المغرب، وعمّا إذا كان الأمر ظرفيًا أم تعبيرًا عن تغير أعمق في علاقة المجتمع المغربي بمناسباته الدينية.

تراجع الرصيد الرمزي مقابل زحف المناسبات الدخيلة

    في مقابل الفتور الذي طبع هذه المناسبة ، تعرف مناسبات أخرى مثل رأس السنة الميلادية أو "الهالوين " ، او ماكان يعرف ببوجلود  ، حضورًا أقوى في الفضاء العمومي ، وهو ما يعكس ما يسميه بعض الباحثين بـ"التغريب الرمزي" ، حيث تُهمَّش المناسبات ذات الطابع الإسلامي أو الوطني لصالح مظاهر احتفالية مستوردة. فهل أصبح المغاربة يعتبرون رأس السنة الهجرية تقليدًا "بروتوكوليًا" لا يُلامس واقعهم ولا يُغني وجدانهم؟

البعد الاقتصادي: الفرح المُؤجل

    لا يمكن تجاهل أن الظرفية الاقتصادية الصعبة تلعب دورًا كبيرًا في تراجع المظاهر الاحتفالية. فمع ارتفاع الأسعار ، وتراجع القدرة الشرائية ، أصبح التركيز منصبًا على الأولويات المعيشية ، وأُرجئت الفرحة إلى إشعار آخر. كيف لمواطن يعيش في ضيق يومي أن يجد حافزًا داخليًا للاحتفال بمناسبة رمزية لا ترتبط بعطلة رسمية أو طقوس مميزة؟

مسؤولية الإعلام والدولة : هل هناك إرادة في ترسيخ الذاكرة الدينية؟

    في المقابل ، تتحمل المؤسسات الإعلامية والتربوية والتعليمية جزءًا من المسؤولية. غياب تغطية إعلامية حقيقية للمناسبة ، وعدم إدماجها في الخطاب الثقافي ، يؤشر إلى ضعف في تسويق رموزنا الروحية كجزء من الهوية الجماعية. هل هناك تصور رسمي حقيقي لجعل هذه المناسبة لحظة تربوية وثقافية ، أم أن الأمر يمر بروتينية التقويم الإداري فقط؟

هل أصبح الدين شأنًا فرديًا فقط؟

   ما يحدث قد يُفسَّر أيضًا بانتقال الدين من فضاء جماعي علني إلى ممارسة خاصة وفردية. لم يعد كثير من المغاربة يجدون في المناسبات الدينية مدخلاً للتعبير الجماعي ، بقدر ما يحتفون بها داخليًا أو بين الأسرة. هذا الانتقال يعكس تحولًا في نمط التدين ، لكنه في الآن نفسه يضعف الإحساس الجماعي بوحدة الذاكرة والرمز

في الختام رأس السنة الهجرية ليست فقط تاريخًا في رزنامة دينية ، بل هي مناسبة لتجديد الوعي بالقيم المؤسسة للهوية الإسلامية ، من هجرة الرسول عليه افضل الصلاة والسلام إلى قيم التضحية ، الصبر، والانبعاث. وإذا كان غياب مظاهر الاحتفال هذا العام تعبيرًا عن تحولات عميقة ، فإن السكوت عنها دون نقاش أو مساءلة هو ما يدعو للقلق أكثر.

إحياء المناسبة لا يجب أن يكون تكرارًا لطقوس جامدة ، بل مدخلاً لإعادة ربط الإنسان المغربي بجذوره التاريخية والروحية ، وإلا سنخسر رصيدًا رمزيًا لا يعوّض



تعليقات الزوّار

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي سكوبريس

اترك تعليقا

إقرأ أيضا